مسألة تحوّل تونس إلى دولة إسلامية هي اليوم مثار نقاش النخب في البلاد، ومنهم الناشط الحقوقي، القيادي السابق في حزب «النهضة» الإسلامي، عبد الوهاب الهاني، الذي تحدّث لـ«الأخبار» عن هذه الهواجس قبل عودته اليوم إلى بلاده. ويرى الهاني، المنفي في باريس منذ نحو عقدين، أن «لا مكان لدولة إسلاميّة في تونس اليوم». ويقول إن حزب «النهضة» حاول سنة 1978 الانقلاب على الرئيس السابق الحبيب بورقيبة يوم الثامن من تشرين الثاني، لكن زين العابدين بن علي سبقه الى قطف الثمرة. ويكشف أن «النهضة» اتصل بالعديد من ضباط الجيش بهدف تنفيذ المشروع، وهناك من استهوته الفكرة، والبعض دعا إلى التريّث، لكن الخبر وصل الى الجنرال بن علي، الذي سارع إلى قطع الطريق على مشروع الانقلاب الإسلامي، ثم انتظر مرور فترة «العرس الديموقراطي»، التي دامت عامين، لكي ينكّل بالحركة الإسلامية. «النهضة» لا تستطيع أن تقود الشارع التونسي، حسب تقدير الهاني، لأنها تعاني انقطاعاً عنه منذ سنة 1989. وهذا الانقطاع يتمثّل في الاهتمامات، فالزعيم الأساسي للحركة راشد الغنوشي شُغل في قضايا الأمّة العربية والإسلامية، وحوله بطانة تتحدث وتصدر بيانات باسمه، من دون أن تكون لها أي شرعية، ومن هؤلاء الإعلامي لطفي زيتون والسيد الفرجاني (عسكري سابق).
ويقول الهاني إن هؤلاء لا يمتلكون العمق الفكري والديني، وصاروا يتحكّمون بالحركة. ويقدّر بأن «الحركة باتت في وضع صعب بعد رحيل الديكتاتور، وذلك بسبب التناقض في بنيتها بين الداخل والخارج». ويشير الى أن الخارج سيطر من خلال المواقع الإعلامية، ولا شرعية له، وضرب مثلاً على التضارب من خلال تباين مواقف القادة، فهم في الداخل يدعون إلى التهدئة وفي الخارج يواصلون التصعيد.
ويرى الهاني أن الغنوشي تسرّع في إعلان عودته، وأنه «إذا عاد اليوم فسيكتشف وزنه الحقيقي في الداخل، وسيرى بنفسه أنّه ليس المعبّر عن حركة النهضة، فهناك قادة في الداخل دفعوا الثمن، دخلوا السجون وواجهوا نظام بن علي، ولن يقبل هؤلاء أن يقودهم الغنوشي، الذي هرب الى الخارج». ويضيف «أعتقد أن رغبة الغنوشي الفعلية هي التخلّي عن الصفة الحزبية، التي لم يعد لها ما يبررها بعد سقوط نظام بن علي، وعلى الأرجح أنه يطمح من الآن فصاعداً للعب دور المفكر العربي والإسلامي، ولا يستبعد أن يمارس نوعاً من الانتهازية السياسية».
ويقول الهاني إن بديل «النهضة» اليوم هو «تيار إسلامي وسطي ديموقراطي، ليس بخلفية إخوانية، بل من صلب فكر الحركة الإصلاحية التونسية التي جاء بها الشيخ عبد العزيز الثعالبي، وهذا التيار يجب ان يؤمن بسياسة المراحل وتحقيق أقصى المكاسب بأقلّ التكاليف». ويضيف «هناك نواة لهذا التيار تتألّف من مجموعة قادة النهضة السابقين». ويرى أن «هناك مساحة كبيرة لحزب إسلامي وطني أو تيار إسلامي معتدل ينطلق من منابع الحركة الوطنية التونسية، ويأخذ من حزب بن علي المناضلين الشرفاء والأوساط التي لا تعادي بورقيبة، الذي حرر المرأة وصاحب إنجازات التعليم، بالإضافة الى اليسار السابق الذي تصالح مع الهوية».
وعن الحزب الحاكم واحتمال عودته بصيغة أو بأخرى للعب دور سياسي، يقول الهاني «هؤلاء يتّصلون بالإسلاميين لملء الفراغ السياسي، ومنهم تيار عروبي يمتّ إلى رئيس الوزراء الأسبق محمد مزالي». ويضيف أن الحزب الحاكم يعدّ قرابة ثلاثة ملايين عضو من 11 مليون مواطن، ولديه جسم انتخابي يمثّل 55 في المئة من الناخبين، وبالتالي هو اكبر من أي حزب آخر.
ورأى الهاني أن الحل بولادة حزب وطني تونسي وفق النموذج التركي، ديموقراطي مدني ومتصالح مع الهوية. ويأخذ على الغنوشي أنّه كفّر بورقيبة لحظة وفاته سنة 2000، وبالتالي لن يكون في وسعه أن يكون أردوغان تونس، لأن رئيس الوزراء التركي الحالي يقف باحترام لكمال اتاتورك، رغم الخلاف الفكري. وقال إن التونسيين سوف يعودون الى رصيد بورقيبة لأن هذا صمام الأمان، وكانت هناك كفاءات كبيرة، وسيحصل في تونس مثلما حصل في الدول الاشتراكية عندما انهار الحزب الواحد، وبالتالي سيظهر ليبراليون وإسلاميون واشتراكيون، وسيتوزع الحزب الحاكم على أطراف الحياة السياسية، والحياة السياسة تُصنع دائماً في الوسط.
هل تبقى حركة النهضة بالاسم نفسه في ظل الوضع الجديد، وعلى اثر توزعها بين داخل وخارج، وشرعي وغير شرعي، معتدل ومتطرف؟ يقول الهاني إن بن علي رحل وسيجر وراءه رموزاً كثيرة. ويضيف «الأمر الأكثر أهميّة في المرحلة الانتقالية هو أن يعي التونسيون خطورة الظرف الإقليمي». وأشار الى «نيات ليبية وجزائرية لإفساد فرحة التونسية، وتحويلها الى مأتم». واستشهد بقول نسبه الى ضابط استخبارات جزائري «سنحوّل عرس التوانسة إلى مأتم، وإلا فسيكون المأتم علينا جميعاً». وعلّل ذلك بخبر نشرته صحيفة «الجيري ليبر» الجزائرية يوم الأربعاء الماضي، وتضمّن الإعلان عن لقاء بين مسؤول في الاستخبارات الجزائرية ونائب وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف، ومسؤول في الاسخبارات الأميركية، بهدف تنسيق المواقف بشأن الوضع في تونس.