ماذا لو انتفضنا؟
عزيزتي إيمان،
كنتُ أُشاهد أخباركم على الشاشات خلال الأسبوعين الماضيين. يا لجرأة الوزراء اللبنانيين المستقيلين من الحكومة! كنتُ أفكّر في ما إذا كان نوابنا أو رئيسنا أو وزراؤنا يملكون هذه الجرأة: جرأة التنازل عن الكرسي من أجل مبدأ أو موقف معيّن، ولو كان ذلك بالشكل، فأنتم فعلاً محظوظون لمجرد أنّكم تشهدون شيئاً كهذا!
ويا ليتنا مثل شعب تونس، ننتفض في وجه الظلم لتحقيق حريّتنا، لا أعرف لماذا نحن أيضاً لسنا بجرأة الشعب التونسي. أيعقل أننا صدّقنا لعبة الديموقراطية التي سمّمت عقولنا؟ أيعقل أننا صدّقنا سُلطتنا وأنها تحمي حقوقنا وما بقي لنا من أرضنا؟ أتعرفين، أغبط الشعب التونسي على حصاد حرّيته، وأغبط اللبنانيين على ما لديهم من قدرة على التعبير عن مشيئتهم، ولئن كان ما نراه عن أخباركم هو نصف الحقيقة أو ربعها، لكنه جميل جداً! أيأتينا يوم يقول لنا فيه جميع الفلسطينيين إنهم لا يريدون مساومات علينا وعلى أرضنا؟ لا نريد مفاوضات من تحت الطاولة ولا من فوقها؟ أعرف أنك تتساءلين: لماذا لا نعترض على ما لا نريد؟ سأخبرك الحقيقة الآن: كثيرون منّا يفعل ذلك، لكن مهمة قمعنا موزعة على أكثر من جهة: تقمعنا السُلطة إن قلنا لا للمفاوضات، وتقمعنا الحكومة إن طالبنا بانتخابات جديدة، وتقمعنا إسرائيل إن قلنا لا للمستعمرات! أحياناً، تقمعنا السُلطة والحكومة معاً، أو السُلطة وإسرائيل! يا إلهي كم هي غريبة تركيبة هذا البلد: ربع شعبنا يعيش تحت حُكم سُلطة لا نريدها، وربعٌ آخر تحت حُكم حكومة لا تمثّل إلا نفسها، والرُبع الثالث تحت حُكم إسرائيل والربع الأخير في الشتات.
ماذا لو انتفض شعبنا بأكمله بوجه حُكامنا لإسقاطهم عن سُدّة الحُكم؟ أنشعر بنشوة الحرية تماماً كالشعب التونسي؟ أنكون على قدر المسؤولية كي نختار قيادات جديدة قادرة على تحرير الأرض؟
معتز عزيز ــــ رام الله

■ ■ ■

غيّرلو النظام

لا إجابة لديّ على تساؤلاتك يا صديقي، لكن خُذ في الحساب أنه إذا ما أراد الفلسطينييون أن ينقلبوا على نظامهم «فلازم يكون في نظام بالأوّل» حتى ينقلبوا عليه!
لديّ أسئلة إضافية لك: لماذا لم تكف انتفاضتا الشعب الفلسطيني، الأولى والثانية، لتحرير الأرض من احتلالها؟ لم يبق شيء لم يقم به الفلسطينيون. لماذا ينتفض الشعب الفلسطيني بالحجارة بدلاً من السلاح ولو حتى الأبيض منه؟ ألم نفهم أنه حتى ثورة غاندي كانت عُنفية، وأن العُنف الاقتصادي، يمثّل خطراً على دولة المؤسسات أكثر من العُنف الدموي؟ كنتُ أتابع منذ أيام لقاءً حوارياً مع الكاتب والصحافي الفرنسي آلان غريش في مخيم ببيروت، يقول الأخير «إن دولة إسرائيل نشأت في حقبة تاريخية كانت تؤمن فيها الدول العُظمى بأن الاستعمار هو المُحرك الوحيد لتطوير دول العالم الثالث، وأنه في تلك الحقبة، استُغلّت أرض فلسطين لإنشاء أولى المستعمرات الإسرائيلية تحت غطاء الاستعمار البريطاني، وكل هذا قبل عام 1948 وقبل الترويج لمقولة دولة بلا شعب لشعب بلا أرض، وقبل اتفاقية سايكس بيكو وغيرها». ما لا أفهمه هو كيف تستمر دولة استعمارية في النمو على مدى 63 سنة فيما يستمر الزعماء الفلسطينيون، أي أصحاب الأرض، في التنازع على السُلطة في الضفة أو القطاع؟ كيف تُصبح المستعمرات «دولةً إضافية» وتنال اعترافاً دولياً بوجودها ولو بنحو غير رسمي، فيما حلم الدولة الفلسطينية على أراضي 1967 يتآكل كل يوم مع نشوء مستعمرة تلو أُخرى على تلك الأرض؟ لا يمكننا التعويل على نظام سياسي فاسد ضماناً لحق شعبنا لأن حقوقنا مسلوبة من حُكامنا بالأساس، وذلك أخطر من أن نكون مسلوبي الأرض من مُحتلّينا! لا أعرف إن كانت مقاومة حماس للاحتلال تكفي وحدها، أو كما تقول أنت عن مفاوضاتها من تحت الطاولة كذلك، ولا أعرف إن كانت معادلة محمود عباس تفيد الشعب الفلسطيني بحق، وقد أجزم بلا، لكنني على يقين أن هذا الشعب عليه أن ينتفض مرة أُخرى، وهذه المرة على حُكامه قبل أن ينتفض على مُحتلّيه!
لا يمكنني أن أتصوّر فلسطين دولة على أرضين منفصلتين في الضفة الغربية وقطاع غزة، والأسوأ من ذلك أن أتصورها تحت قيادة غير جديرة بحُكمها. أنا أريد فلسطين دولة كاملة بحدود طبيعية، تحكمها ديموقراطية حقيقية بدلاً من أكذوبة الانتخابات الأخيرة. أريد انتفاضة شعبية لا يتعاون على إجهاضها، إلى العالم، أهل بيتها.
إيمان بشير ــــ بيروت