مع بدء ترويج وكالة الأنروا للعقود المبرمة بينها وبين المستشفيات والجمعيات الصحيّة، وقبيل دخول هذه العقود حيّّز التنفيذ، نُفّذ اعتصام أمام مستشفى الهمشري التابع للهلال الأحمر الفلسطيني في صيدا، احتجاجاً على توقف «الأنروا» عن دعمها لنفقات علاج ذوي الاحتياجات الخاصة لللاجئين الفلسطينيين. علامات الاستهجان والذهول كانت بادية على وجوه المعتصمين خصوصاً بعدما تناهى إليهم أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بصدد تحسين خدماتها الصحية، فكان منبع الدهشة: «شو عم يضّحّكوا علينا بهيدي التحسينات؟» يقول أحدهم، غسان الحسن مستغرباً، ليضيف: «هل مسألة تدوير الخدمات (اقتطاع ميزانية من هنا ووضعها هناك) أصبحت سياسة عودتنا إياها الأنروا؟»، ويتابع الرجل أسئلته «كيف يمكن التحدث عن تحسينات والأنروا ماضية في تقليص خدماتها؟ أخبروني». لا تختلف هذه الأصداء كثيراً عن الأجواء التي تسود مخيم عين الحلوة، غير المرتاحة أو المطمئنة إلى ما تروّج له وكالة الأنروا من وعود بالتحسينات على الصعيد الصحي. هكذا يصول خليل جمعة، أحد أبناء عين الحلوة، ويجول في أزقّة المخيم، قاصداً هذا وذاك من المسؤولين، حاملاً بيده ورقة ممهورة بتكاليف عملية إنقاذ كليتي طفله محمود المتوقفتين، والمقدرة بأكثر من عشرة ملايين ل.ل.، وهذه العملية بالطبع هي خارج إطار خدمات الأنروا ولم تشملها التحسينات، كبقية العمليات الباهظة التي لا تُجرى إلا في مستشفيات قليلة خارج إطار عقود الوكالة، (الأميركية ـــــ أوتيل ديو..). لكن ما هي هذه التحسينات التي وعدت بها الأنروا اللاجئين من خلال عقودها الجديدة في عام 2011 مع المستشفيات والجهات الصحّية؟ «هي تحسينات طاولت العديد من خدمات الوكالة الصحية»، يردّ الطبيب الفلسطيني في المخيم سمير موسى، مستفيضاً في الشرح، «بات تعاقد الوكالة يشمل عدداً أكبر من المسشتفيات، وهو ما يتيح لشعبنا فرصاً أكبر في الاستشفاء، كما اتُّبعت سياسة جديدة في ضمان المريض، عبر تغطية 30% من العمليات الجراحية، بدل إعطائهم مبلغ 300 ليرة عن كل يوم منامة في المستشفى، كذلك تغطية كل مصاريف الولادة الطبيعية في مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني، وذلك بعد اتفاق أبرمته الوكالة مع الهلال الأحمر القطري الذي تعهّد دفع هذه النفقات، وهذا ما لم يكن معمولاً به سابقاً». بيد أن هذه الخدمات برأي الدكتور موسى «تبقى بسيطة ولا تلبّي مطالب اللاجئين الفلسطينيين وطموحاتهم». وليس هذا فقط، بل إن الوكالة «أوهمت أبناء شعبنا بأنها حققت إنجازات عظيمة من خلال هذه العقود»، يوضح مسؤولٌ في أمانة سرّ اللجان الشعبية في صيدا، فؤاد عثمان مردفاً: «لا تزال الأنروا مكتوفة اليدين تجاه مرضى السرطان، وما أكثرهم بين صفوفنا! كما أن وعود وزارة الصحة اللبنانية تجاههم لا تزال حبراً على ورق. أما جميع عمليات الاستشفاء غير المتوفرة في المستشفيات المتعاقد معها، فهي خارج خدمات الأنروا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تكاليف التصوير الباطني و«الأم آر إي»، وأمراض شبكة العيون، كذلك فإن الكادر الطبي داخل العيادات لا يزال ضئيلاً بالنسبة إلى عدد السكان المتزايد». وفي المحصّلة، يرى عثمان أن الوكالة لم تقدم أي شيء جدّي للاجئين من خلال هذه العقود، ولكون «اللجان الشعبية هي الأكثر دراية ومعرفة بمطالب شعبنا وحاجاته، يجب عليها الأخذ برأينا، وإشراكنا في رسم سياسة موازنة الأنروا».


«مش كافية!»

«هي أحسن عقود أبرمتها الأنروا حتى الآن في ما يخصّ الشأن الصحي للاجئين الفلسطينيين»، يعلّق مصدر داخل الوكالة شارحاً أن الشروط التي اتُّفق عليها مع المستشفيات، «تحسنت لجهة تحميل المريض نسبة 30% بالمئة من تكلفة العمليات، كما توسعت دائرة التعاقد مع المستشفيات، وجرى التشبيك مع بعض الجمعيات. وبالرغم من ذلك فهو يقرّ بـ«مش كافية»، مبرراً بأن كلفة الخدمات الصحية في لبنان مرتفعة، وميزانية الوكالة تضاءلت خصوصاً بعد الأزمة المالية العالمية، وبتراجُع تقديمات الدول المانحة لها.