تحاول الأنظمة العربية بذل ما في وسعها لمنع انتقال عدوى «انتفاضة الياسمين» إليها، من دون أن تنجح في استرضاء مواطنيها الغاضبين من تردي أوضاعهم المعيشية. ولم تمنع الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها السلطات الجزائرية بهدف عزل العاصمة، من تسيير تظاهرة «من أجل الديموقراطية»، التي دعا إليها «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية» أول من أمس.
وعلى وقع الاشتباكات مع الشرطة، ردد المتظاهرون الذين رفعوا الأعلام الجزائرية والتونسية «دولة مجرمة» و«جزائر حرة! وجزائر ديموقراطية!». وكانت السلطات قد استبقت التظاهرة بتكثيف قوات الأمن من حواجز المراقبة عند المداخل الشرقية للعاصمة الجزائرية، مانعةً أي سيارة تحمل لوحة تسجيل إحدى ولايات منطقة القبائل من المرور.
وسُجلت مواجهات خلال التظاهرات سقط خلالها عشرات الجرحى. وفيما قدرت الشرطة عدد الجرحى بـ19، تحدث رئيس التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية سعيد سعدي، عن سقوط 42 جريحاًً.
وفيما تحاول السلطات الجزائرية إقناع الجميع بأن ما حدث في تونس لن يؤثر على الجزائر، تشير كل المعطيات إلى عكس ذلك. وبدأت حركة «مجتمع السلم»، ذات التوجه الإسلامي والمحسوبة على السلطة، ندوات نقاش وطنية للتكفل بانشغالات الشباب، وترقية وسائل النضال السياسي من أجل الحقوق المشروعة لا بالعنف وضرب استقرار البلاد.
وفي محاولة لمحاصرة حرق الأجساد في الجزائر، التي وصلت إلى ثماني حالات من دون تسجيل وفيات، أعطت وزارة الشؤون الدينية، بأمر من الحكومة، توجيهات إلى الائمة بتخصيص خطب الجمعة لتحريم الانتحار شرعاً.
أما في مصر، التي تستعد القوى المعارضة فيها غداً ليوم غضب كبير ضد الشرطة المصرية لمناسبة عيدها السنوي في ٢٥ كانون الثاني، احتفلت أجهزة الدولة بالمناسبة وسط تركيز على وطنية جهاز الشرطة
وفيما تحولت «وطنية» الجهاز إلى محور الخطابات الرسمية، ألقى الرئيس المصري حسني مبارك، خطاباً وجه فيه مجموعة من الرسائل التحذيرية، أولها إلى من سمّاهم دعاة الفتنة، متوعداً إياهام بالتعقب «في الداخل والخارج، وبأنهم لن يفلتوا أبدا من العدالة».
الرسالة الثانية كانت موجهة إلى «دعاة الاستقواء بالأجنبي»، قائلاً «إن دعواهم مرفوضة وتأباها كرامة مصر الأقباط قبل المسلمين». الرسالة الثالثة وجهها مبارك إلى بعض الدول الصديقة المطالبة بحماية أقباط مصر، قائلاً «إن زمن الحماية الأجنبية والوصاية قد ذهب إلى غير رجعة».
وبدت أجواء الاحتفال، بما فيها كلمة الرئيس «حربية»، تدافع عن وطنية الشرطة وتعتمد على الشحن ضد «عدو»، حيث طالب الرئيس بوقوف الشعب مع الدولة في معركة مع الإرهاب. وهو ما فهم على أنه خطاب إجهاض حركة الثورة.
وفي اليمن، واصل المئات من طلاب جامعة صنعاء للأسبوع الثاني على التوالي تظاهرهم في حرم الجامعة لمطالبة لرئيس اليمني علي عبد الله صالح بالتنحي، ما أدى إلى اندلاع مواجهات مع الشرطة، اعتقل على أثرها عدد من الصحافيين والطلاب.
كذلك، أقدمت السلطات على اعتقال الناشطة توكل كرمان، بعدما قادت في الأيام الأخيرة تظاهرات مؤيدة للانتفاضة الشعبية في تونس، وداعية إلى التغيير السياسي في اليمن.
في هذه الأثناء، أعلن الرئيس اليمني أنه لن «يسمح للفوضى الخلاقة» بتدمير البلاد، فيما طلب العفو من اليمينيين إذا «أخطأت أو قصرت» لأنه «لا يحوز الكمال إلا الله»، وذلك غداة إجرائه تعديلاً وزارياً جديداً، أقال بموجبه صالح وزير الصناعة والتجارة يحيى المتوكل.
من جهته، أجرى الملك الأردني عبد الله الثاني، مشاورات مع ممثلي مختلف القوى السياسية في البلاد للوقوف على مطالب الشعب الأردني، فيما أفاد مصدر مقرب بأن «الملك قام بزيارات غير معلنة لأكثر مناطق المملكة فقراً للاطلاع على احتياجات أبنائها».
في هذه الأثناء، سجلت السعودية أول انتحار حرقاً. وتوفي رجل في الستينيات من العمر إثر إشعال النيران في نفسه بمنطقة جازان الفقيرة بالقرب من الحدود مع اليمن، فيما توفي رجل الأعمال الموريتاني الذي أضرم النار في جسده قبل أسبوع على بعد أمتار من مبنى رئاسة الجمهورية.
وفي السودان، الذي شهد في الأسابيع الأخيرة تظاهرات متفرقة، أضرم سوداني في الخامسة والعشرين من عمره النار في جسده وسط الشارع في سوق أم درمان المحاذية للخرطوم أول من أمس، فأصيب بحروق من الدرجة الثانية.
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)