في سابقة هي الأولى منذ إطاحة الرئيس زين العابدين بن علي في الرابع عشر من الشهر الجاري، اضطرّ قائد الجيش التونسي، الجنرال رشيد عمار، أمس، إلى محاورة المئات من المتظاهرين المتجمّعين أمام قصر الحكومة بالقصبة للمطالبة باستقالة الحكومة، داعياً إياهم إلى إفساح المجال أمامها للعمل بما فيه مصلحة البلاد.وقال عمّار أمام المتظاهرين «إن الجيش التونسي سيحمي الثورة التونسية»، محذراً من أن الثورة تواجه حالياً تحديات كبيرة ومخاطر متعددة. وتوجه إلى المتظاهرين بالقول «ثورة شباب تونس مهددة بالضياع، هناك من يريد سرقتها، وهناك من يدعو إلى فراغ السلطة، وهذا الفراغ يؤدي إلى الإرهاب وانتشار الفوضى، وإلى العنف الذي يولد الديكتاتورية». وأضاف «لا تضيّعوا هذه الثورة المجيدة، أنا صادق، وكل القوات المسلحة صادقة لكي تصل بالسفينة الى شاطئ السلام». وحين سأله أحد المتظاهرين عن الضمانات، أجاب «أنا هو، أنا هو». وبعدما أكد أن الجيش هو «حامي العباد والبلاد والثورة» التونسية، أوضح أنه «لن يخرج عن الدستور». وأضاف «نحن مع دستور البلاد، وحماة دستور البلاد ولا نخرج عن دستور البلاد».
ودعا عمّار المتظاهرين الى إخلاء ساحة الحكومة حتى تتمكن «هذه الحكومة أو حكومة أخرى» من العمل. وأوضح «ساحة الحكومة هذه نريدها فارغة» سواء كانت في قصر الحكومة بالقصبة «هذه الحكومة أو حكومة أخرى»، مشيراً إلى أن مقر الحكومة فيه «موظفون ساهرون على مصالح العباد ومكاسب البلاد التي تعبت من أجل إنجازها أجيالاً وراء أجيال».
ويأتي ظهور قائد هيئة أركان جيش البر التونسي في أعقاب تعمّد العشرات من المتظاهرين منع رئيس الوزراء التونسي المؤقت محمد الغنوشي من دخول مكتبه لمزاولة عمله، وتهديد عدد منهم بالانتحار في حال عدم استقالة الحكومة لتفسح المجال أمام تأليف حكومة إنقاذ وطني تقاطع كل رموز النظام السابق.
وفي السياق، كشف وزير التربية والمتحدث باسم الحكومة التونسية الطيب البكوش، الذي يعدّ شخصية مستقلة منبثقة عن الأوساط النقابية، عن تعديل وزاري وشيك «ربما بين اليوم والغد». وقال «ربما تكون هناك استقالات جديدة (من الحكومة)، وبالتالي سيكون لدينا على الأقل ست حقائب وربما أكثر يتعيّن توزيعها»، في وقت أعلنت فيه مصادر سياسية أن ساسة تونسيين يجرون مفاوضات لتأليف لجنة من الحكماء تحلّ محل الحكومة الانتقالية الحالية من أجل حماية «الثورة»، مرجّحين أن تضمّ في تشكيلها السياسي المعارض الشهير أحمد المستيري. وعلى وقع التطورات السياسية، دارت مواجهات بين متظاهرين رموا حجارة وقوارير بلاستيكية على عناصر شرطة مكافحة الشغب كانوا يحاولون إخراج موظفين من المقر.
كذلك فرّقت قوى الأمن تظاهرات انطلقت في شارع بورقيبة الرئيسي، مستخدمةً القنابل المسيلة للدموع.
وتلقت التظاهرات المطالبة برحيل الحكومة تعزيزات بالغة الرمزية، مع انضمام قرابة الألفين من شبان المناطق الريفية أو ما بات يعرف بمعاقل «ثورة الياسمين»، إلى المحتجّين في العاصمة.
في هذه الأثناء، اصطدمت مساعي وزارة التربية لاستئناف تدريجي للدراسة، بإضراب نفذه أساتذة التعليم الرسمي والخاص من أجل إسقاط الحكومة. وأعلن الأمين العام للنقابة العامة للتعليم الأساسي في تونس، حفيظ حفيظ، أن نسبة المشاركة في الإضراب تراوحت بين 90 ومئة في المئة في كل المناطق، فيما أصرّ بعض الأولياء في عدد من ضواحي العاصمة على تدريس أبنائهم، منددين بما اعتبروه «إضراباً سياسياً» وذلك قبل إعادة أطفالهم إلى المنازل. في غضون ذلك، أقرّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأن فرنسا «لم تقدر حجم يأس» الشعب التونسي، قائلاً إن «وراء تحرير المرأة وجهود التربية والتأهيل والحيوية الاقتصادية وتبلور طبقة متوسطة، كان هناك يأس ومعاناة وشعور بالاختناق، يجب أن نقرّ بأننا لم نقدر حجم ذلك».
وحاول ساركوزي الدفاع عن تعامل بلاده مع الأزمة السياسية التونسية، معتبراً أنها لم تكن ترغب في التدخل في شؤون مستعمرة سابقة، فيما قال مكتب الادعاء في باريس إنه بدأ تحقيقاً أولياً من أجل تحديد الأصول التي يمتلكها الرئيس التونسي المخلوع في فرنسا.
من جهته، رأى مدير منظمة «هيومن رايتس ووتش»، كنيث روث، أن «ثورة الياسمين» لقّنت الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة «درساً» بشأن العلاقات مع الأنظمة الديكتاتورية. وقال منتقداً «لقد خاب أملنا خصوصاً لرد فعل فرنسا»، التي «لم تدعم التظاهرات إلا حين أصبح رحيل بن علي وشيكاً». في هذا الوقت، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط جيفري فيلتمان وصل أمس الى تونس لإجراء محادثات مع الحكومة الانتقالية تتناول «الإصلاحات الديموقراطية والانتخابات» في هذا البلد.
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز)