باريس| قبل أسابيع من سقوط نظام زين العابدين بن علي في تونس، كشف كتاب «حاكمة قرطاج» كيف وضعت ليلى طرابلسي، زوجة الرئيس المخلوع، يدها على اقتصاد تونس بالكامل. فضائح تشرح كيف تدخّلت «السيدة الأولى» في الشؤون العامة، بدءاً من تعيين أفراد عائلتها في مناصب حساسة، وصولاً إلى سلب الثروات الطبيعية واستحواذها على الامتيازات. وسلّط الكاتبان الصحافيان نيكولا بو وزميلته كاثرين غراسييه، الضوء على دور زوجة الرئيس في تنظيم الحياة العامة في تونس، وبث الفساد في معظم مرافق الدولة

، ما سمح لعدد محدود من التونسيين بالسيطرة على ثروات البلاد وتحديد مصير المواطنين، معتمدين على نظام قضائي مدعوم بنظام بوليسي يستعمل أحدث نظم القمع وتقنياته.
هذا النهب المنظَّم للبلاد سبّب هروب العديد من رجال الأعمال والشباب وحملة الشهادات الذين فضلوا تفادي «الخوّات». ورغم ذلك، فقد حافظ عدد من التونسيين على صلة ببلادهم، ساعين إلى عدم تسليط الأضواء على نجاحاتهم في الخارج خشية انتباه السلطة و«هجوم مافيا بن علي» عليهم.
الياس بن شاذلي رجل أعمال «مهاجر» في دبي، بقي على تواصل مع بلده الأم. كانت له صولات وجولات مع عائلة بن علي وتعرض لضغوط أدت إلى خسارته بعض أعماله، ثم دخوله السجن بسبب تمنعه عن التعامل مع «العائلة». ورغم أن بن شاذلي لا يُعدّ «مثالاً» لما حصل لرجال الأعمال بحكم علاقاته القوية مع «كبار هذا العالم»، على حد تعبيره، إلا أن تجربته تكشف عن تصرفات «شبكة بن علي». التقت «الأخبار» بن شاذلي في فندق فخم جداً في باريس. شاب أربعيني تطلق عليه الصحافة الفرنسية اسم «الشاب الذهبي» (غولدن بوي) لنجاحه «مع كبار القوم في عالم المال والاستثمارات». لا ضرورة للغوص معه مطولاً في الحديث لمعرفة أنّ بينه وبين عائلة بن علي الكثير من المدّ والجزر. يساورك الخوف بأن يكون ممن يلتحقون بالثورة ليأكلوا في صحونها. إلا أنه لا يخفي علاقته بالعديد من «رجال بن علي النظيفين»، عارضاً علينا رسالة بعثها إلى وزير الداخلية أحمد فريعة يطلب منه «عزل الجنرال علي الصرياتي وابنه من قيادة الحرس الوطني».
يروي بن شاذلي أن بداية النزاع مع «العائلة» يرجع إلى عام ١٩٩٩، حين حضر إلى تونس لتأسيس شركة مع «فيفندي» الفرنسية لإنشاء محطات تكرير مياه الصرف في القرى التونسية. وبعد مقابلة عدد من الشخصيات ذات الصلة، منهم وزير البيئة محمد مهدي مليكة، وعودته إلى فرنسا، تبين له أن «آل طرابلسي هم الذين وضعوا يدهم على الملف» وكانو يفاوضون الفرنسيين. ويقول إن «سفير تونس في فرنسا آنذاك منجي بن سنينة استدعاني وطلب مني التآمر على تونس مع محمد جرام (الذي كان وزيراً للداخلية قبل أن يتفاقم الصراع بينه وبين ليلى)».
رفع بن شاذلي دعوى قضائية على الشركة الفرنسية وربحها في تونس، إلا أنه ما إن وطئت قدماه تونس حتى «وضعوني في السجن بعد دعوى من طاهر الماطري». حُكم عليه بالسجن سنتين عام ٢٠٠٤، قضى منها ٧٠ يوماً فقط، ما دلّ على وجود صراع قوى ضمن عائلة بن علي. وقد لوحق بن شاذلي مرة ثانية في نهاية عام ٢٠٠٩، إلا أنه فضل عدم التوجه إلى تونس هذه المرة.
سألت «الأخبار» بن شاذلي، الذي بدا مطّلعاً على الخفايا، عما يمكن أن تؤول إليه الأمور، فحذّر من «قوة كمال مرجان (وزير الخارجية)»، مشيراً إلى أن «(رئيس الحكومة) محمد الغنوشي يؤدي دوراً مزدوجاً»، ولافتاً إلى أن «رئيس مجلس حقوق الإنسان منصر الرويس كان يكتب خطب بن علي، وبات اليوم وزير الشؤون الاجتماعية».
وتابع بن شاذلي أن الجميع لا يدرك أهمية تغيير الدستور الذي تطالب به الجماهير، موضحاً أن «الدستور اليوم لا يسمح بملاحقة بن علي»، وأن وزير الدولة عبد العزيز ضياء كان من واضعي القوانين الاستثنائية بالتعاون مع «قانونيين من جامعة تولوز» الفرنسية. ويمكن هذه القوانين «عرقلة التحقيقات» التي قد تقود إلى القبض على المسؤولين الحقيقيين. ويقول إنّ اللجنة العليا للدستور والقوانين التي يرأسها عياط بن عاشور «يمكنها ضبط الأمور» إذا «كفّت يد الوزراء الذين كانوا يدورون في فلك عائلة بن علي». وشدد الياس على الدور المهم للجنة مكافحة الرشوة والفساد التي يرأسها عبد الفتاح عمر، بعدما اختفت القيود التي كانت تكبّل أيديها.
ويشير بن شاذلي إلى أن «عدداً كبيراً من التونسيين» الذين تحدث معهم أخيراً، «يودّون إعادة اللحمة بين الشرطة والشعب»، بما أن الشرطة كانت «مضطرة لممارسة القمع» بسبب الخوف الذي كان يبثه محيط بن علي.
«هل يمكنك العودة إلى تونس؟». يتردد قليلاً قبل أن يجيب: «نعم. لكن أنتظر أن تنقشع الغيوم في الأفق». يضيف: «أنا خائف قليلاً»، ويعترف بأنه أخرج والدته المسنة قبل أيام من البلد بانتظار استقرار الأوضاع. و«هل تستعد لأداء دور سياسي ما، مستفيداً من أنك صديق الرئيس نيكولا ساركوزي؟»، يجيب بغموض: «أنا مستعد لخدمة بلادي». وعن مدى استعداده لمسامحة فرنسا على تردّدها بدعم الثورة، يتردّد قبل أن يقول إنّ «فرنسا، كغيرها من الدول، لم تكن تنتظر سقوط الديكتاتور».