لا يزال الغضب يتجوّل في شوارع القاهرة ومدن مصرية أخرى، والغاضبون يغيّرون تكتيك اليوم الأول من التجمع الكبير في ميدان التحرير، إلى تجمعات صغيرة تتحلّق كلما فرّقت قوات الأمن تظاهرة تتجه إلى قلب الغضب. مطاردات تكاد تقترب من حرب شوارع في القاهرة، يطبّق الأمن فيها خطة فزع لاستعادة السيطرة على الشوارع التي سلكتها الجموع الغاضبة. الخطة ناجحة حتى الآن في منع التئام جسم غاضب كبير، لكنها فاشلة في السيطرة الكاملة لأن العنف يولد العنف، كما حدث في مدينة السويس، حيث ولّد الحزن على قتلى اليوم الأول، غضباً جديداً، تضاعف عندما فرّقت القوات الأمنية التظاهرة، مستخدمةً الرصاص المطاطي والحي، إضافة إلى القنابل، من دون التردد في استخدام الوسائل الميليشياوية، من خطف وضرب واعتقال في أماكن لا تزال مجهولة. الخطة نجحت بالكامل في الإسكندرية، لكنها أوحت بأسلوب جديد في القاهرة؛ كلما نجحت مجموعات الأمن في تفريق تظاهرة، خرجت منها «ميني تظاهرات» تكبر كلما اقتحمت شوارع جديدة. التظاهرات الصغيرة اعتمدت على خفّة المفاجأة في الانتقال من شارع إلى آخر، لتنشر مزاج الخروج عن الطوق، والتصميم ليس على التعبير عن الغضب فحسب، بل التغيير باستخدام الغضب أيضاً.
دبيب الغاضبين وسط هتاف «الشعب يريد إسقاط النظام»، يبدو تحية إلى ثورة الياسمين في تونس طبعاً، وتواضعاً أمام تجربتها الفارقة. الغضب على الطريقة التونسية هو إعلان لفشل النظام في توسيع مساحة المناورة أمام السلطة، وإغلاق قنوات التجديد أمام المجتمع. هكذا لم يعد المجتمع يملك إلا أجساد الغاضبين ليدفع بها النظام الجاثم على الصدور.
هذا أحد أسرار المفاجأة التي تحاول الآن أكثر من جهة الركوب على موجاتها، لكنها تفشل أمام رغبة تحوُّل دبيب الغضب إلى طاقة جديدة على توازنات السلطة وأجنحتها في مصر. لم يعد أمام النظام إلا تقديم ضحايا وتنازلات، والقبول بشراكة المجتمع وقوة حضوره في معادلة السلطة. هذا هو سرّ آخر للدبيب الذي يعلو صوته في القاهرة، ويغطي على كل شيء بما في ذلك الجدل الدائر حول «ماذا بعد الغضب؟». التفكير مؤجَّل إلى حين، كذلك فإن الحملة المضادة في الإعلام متهافتة إلى درجات مذهلة، فالتلفزيون الرسمي اعتبر أن المجنَّد شهيد، بينما ضحايا رصاص الأمن مجرَّد قتلى عابرين.
رئيس الوزراء أحمد نظيف مرتبك، وغيّر مواعيده المقررة. وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد ألغى زيارته للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس. الوحيد صاحب الصوت العالي بقي وزير الداخلية حبيب العادلي الذي لم يعد يخفي نبرة التهديد: سنضرب بعنف. ممنوع التظاهر، ولن يُسمح لأحد بالبقاء (في الميدان) بعد الحادية عشرة.
بين الحقيقة والشائعة، تبدو مقولات وزير الداخلية صياغة من غرفة عمليات، في جولة أخيرة. الأعصاب منفلتة، والقرارات لا تخفي عصبيتها، وفي شوارع رئيسية شُوهد رجال الأمن يسحلون مارة عاديين ويضربونهم، ويوجهون رصاصاتهم إلى الهواء تخويفاً لجموع تراقب، وقطعاً لخطوط التواصل والإمداد بينهم وبين الغاضبين المتجولين في المدينة.
الرصاص الحيّ سُمع في مناطق متفرِّقة، والمعتقلون لا يعرف أحد عددهم، وإن راوح بين ٥٠٠ و ١٠٠٠، بينما لا تُعرف أماكن اعتقالهم ولا التهم الموجَّهة إليهم. هي اعتقالات عشوائية، لا تعتمد على قوائم محددة مسبقاً، ولا أسماء معروفة.
عنف اكتفت مصادر مصرية حكومية بالاعتراف بأنه أدى إلى مقتل متظاهرَين أحدهما في السويس، والآخر في القاهرة إضافة إلى شرطي.
الغضب ليس عارياً رغم غياب الغطاء السياسي، لأنه محمي بالطاقة المتفجرة لمجتمع يريد الخروج عن «نظرية الكردون» (أو الطوق) الأمني والسياسي، إذ تريد الجموع الغاضبة كسر طوق التيارات السياسية الجامدة بأجندتها العاجزة.
المتظاهرون نوع عصيّ على التصنيف بالنسبة إلى النظام، وصنف جديد على خبراء القمع، وهذا ما يجعل العنف في الشوارع يقابله خطاب ناعم من مسؤولين يقولون: «نحن نعرف مطالب الغاضبين، لكن الحركات السياسية تستغلهم». الحزب الحاكم يقول إنه «فهم مطالب المتظاهرين». كلام ردّت عليه «حركة 6 أبريل» الاحتجاجية، بالدعوة إلى تظاهرات تخرج من جميع مساجد مصر بعد صلاة يوم الجمعة، غداً.
الغاضبون جدُد لا ترهبهم الآلة الأمنية التقليدية. إنها حركة بطولات يتحدى فيها شباب مدرّعات وآليات تبث الرعب، لكنها لم توقف منتفضين بادروا بالهجوم، فارتبكت الآلة المستقرة على أساليب الانسحاب.
الآلة النشيطة لدى النظام هي الحجب، التي تبدو فاعلة في قطع خطوط الاتصال بين جسم التظاهرات. من هنا، كان موقعَي «فايسبوك» و«تويتر» هدفاً أساسياً هاجمته أجهزة المنع الحكومية، ووضعته رهينة تعيد حركة الغضب إلى ما قبل الاتصالات الحديثة.
الخبرة القديمة تفاعلت ليلة أول من أمس، حين انتظرت قوات الأمن إلى ما بعد منتصف الليل وهاجمت المعتصمين بمدرعة أطلق منها بين ٢٥ و ٥٠ قذيفة دخان خانق، وأطلقت فرق البلطجة بملابسها المدنية لتطارد الهاربين من القنابل. في شوارع وسط القاهرة، استمرت المطاردات حتى ساعات متأخرة، تجمع بعدها مجموعات من المتظاهرين في ٣ مواقع أحدها كان مقر الحزب الوطني على كورنيش النيل، حيث أطلق الحرس الخاص بالمقر رصاصاً حياً على المجموعات التي خططت لاقتحام المقر. كذلك استمرت تجمعات أخرى في أحياء شبرا وماسبيرو، لساعات مبكرة من صباح اليوم التالي.
مصر تتجدّد طاقاتها كما يبدو من «مشروع الثورة الشعبية» التي تفجرت في كانون الثاني، بما يستدعيه من هبات غضب منفلتة عن السياقات التقليدية، بينها حريق القاهرة في ٢٦ كانون الثاني ١٩٥٢، و ١٨ و١٩ كانون الثاني ١٩٧٧. الحدث الحالي مختلف، ولا يُرجى أبداً أن يشهد مصائر سابقة، بل أن يكون افتتاحاً لإعادة تكوين المشهد السياسي بأسئلته وحساسياته المتباينة.
إسرائيل: مصر ليست لبنان ولا تونس
يتابع المسؤولون في إسرائيل، عن كثب وبقلق، ما يجري في مصر، رغم تقدير أن سلطات القاهرة قوية بما فيه الكفاية كي تجتاز الهزة بسلام. وقال نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية، سيلفان شالوم، إن تل أبيب «تتابع تطور الأحداث في مصر. نأمل جميعاً أن تمنح السلطات المصرية الحرية والحقوق لمواطنيها، وتبقى في الوقت نفسه على الطريق الصحيح وتحافظ على العلاقات الجيدة التي تربطها بإسرائيل منذ أكثر من ثلاثين عاماً». بدوره، استبعد الوزير السابق بنيامين بن أليعازر، أن تؤدي الاحتجاجات التي شهدتها مصر إلى إسقاط النظام المصري. وقال بن أليعازر لإذاعة الجيش إنه «لا شخصيات قادرة على قيادة موجة احتجاج لقلب النظام، فهذا ليس فقط نظام الرجل الواحد، بل هو مدعوم بكل الجيش وأجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية السرية». وأشارت مصادر صحيفة «معاريف» إلى أنّ «مصر ليست لبنان وليست تونس»، لافتةً إلى أن «الوضع في مصر بعيد جداً عن العصيان المدني. فخلافاً لحكام تونس والشاه الفارسي، اللذين أُطيحا من منصبيهما، فإن مبارك غير منقطع عن الشعب، ومؤسسات الدولة، بما فيها الجيش، تخضع لإمرته».
(الأخبار)
15 تعليق
التعليقات
-
بحبك يا مصربحبك يا مصر ولو اتسفك دمي علي ارضك هكون مبسوط هكون راضي من كل قلبي لاني انا قبطي ليا فيكي زي ما اخويا المسلم ليه فيكي ودمة ودمي واحد لاننا مصريين زي بعض نفس الدم والطبع ونفس الشهامة شربنا من نيل واحد ونمنا علي ارض واحدة وكنا ايد واحدة في تحرير سينا وبرضة ايدواحدة نكمل المشوار في تحريرها من كل ظلم
-
اتمنى من كل قلبي ان ربنا يوفقاتمنى من كل قلبي ان ربنا يوفق اخواننا المتظاهرين في اسقاط النظام غدا يوم الجمعة حتى يستريح الجميع
-
دولا مين ودولا مين دولا ولاددولا مين ودولا مين دولا ولاد المصريين
-
استفاقت نواطير مصر عن ثعالبهااستفاقت نواطير مصر عن ثعالبها
-
يامصر عودي زي زمان لا القهريامصر عودي زي زمان لا القهر يطويكي ولا الليل عاشت ذكرى مغني الثورة الشيخ امام عيسى وصاحب كلمات اغنية مصر يما ويابهية الفاجومي احمد فؤاد نجم تحيا مصر حرة ابية
-
بينا يامصر بينا يا مصر نحييبينا يامصر بينا يا مصر نحيي الماضي بروح العصر
-
انشاء الله نشوف اليوم يليانشاء الله نشوف اليوم يلي يجتمعوا فيه كل الرؤساء العرب في السعودية متل بن علي. مللناكم و مللنا أكاذيبكم ، نريد أن نعيش بكرامة
-
نظام الشاه كان أقوى و أعنف ونظام الشاه كان أقوى و أعنف و أقسى من النظام المصري الحالي و سقط أمام غضب الشعب الذي لا يوقفه شيئ
-
بنيامين يشجعه وغدا بن علي يونسه !لا مناص,لا محيص,لا مفر من يوم خط بالقلم ! الوزير الإسرائيلي السابق "الغبي" يحاول على ما أعتقد طمأنة نفسه بالقول أن نظام مبارك ليس كنظام بن علي,لأنه له سيطرة أكبر على الجيش والإستخبارات وعدم "إنقطاعه عن الشعب"!!! حليف مبارك يهذي ولكن في هذيانه هذا كان محقا نوعا ما بشيئ واحد:ما يؤخر (وليس يلغي) نزع هذا الطاغية المتهالك عن كرسيه ورميه إلى جانب صديقه في جده هو غياب قيادة موحدة شجاعة توحي بالثقة للشعب المصري,وهو شيئ يجب على أحزاب المعارضة "الحقيقية" وممثلين المجتمع المدني "الحقيقيين" أن يجدو له حل عبر التخلي عن الأنانية والبغضاء قبل أن يدوسهم التغيير القادم ويتجاوزهم ! # لن ينفع محاولة "تنقيص" عدد المشاركين في الإحتجاجات وتشويه تحركهم في الإعلام المنافق الموالي للطاغية وحاشيته وحجب الإعلاميين الشرفاء أو إرهابهم ! # لن ينفع تخويف الشعب المصري بطريقة صارت مبتذلة ومكررة لدرجة الملل من إسلامية التحرك ومحاولة خلط ألأغلبية الساحقة من القيادات الإسلامية الأكثر اعتدالا في العالم الإسلامي مع تنظيم القاعدة وأفكاره,فهذا الخوف ليس موجودا عند الشعب,وإنما هو موجود وللأسف "بطريقة مرضية" عند كثير من النخبة المترفة وخصوصا الإعلامية والفنية !! لن ينفع تغول وتطرف "باشوات الأمن" في قمع وتعذيب وإذلال الناس,فإنما هم يصبون مزيدا من الزيت على نار الغضب الشعبي التي ستحرقهم هم أولا فليس هناك الكثير من الأمكنة في حي الطغاة المخلوعين في جده ! لن ينفعك أيها الفريعن تطمينات جلاوزتك لك بأن بن علي "مش راجل كفاية" وأنه جبن وهرب بسرعة,نعم يمكن لك أن تصمد قليلا وتثبت لنفسك أنك "راجل وجدع" عبر قتلك أعدادا أكبر من شعبك وربما تدمير وحرق بلدك الذي أواك وأعطاك,لكن كل ذلك لن يبعد الكأس المرة عنك. لن ينفعك شيئ أبدا,وهل ستكف أنت وحاشيتك والطبقة الطفيلية التي نمت في الحكم عن ظلم الناس وسرقة مالهم ؟!,وهل سيتوقف الغضب على ظلمك من التعاظم ؟!, وهل ستظل تخدع الناس بالكذب والوعود والفن الهابط ومعارك "الكرة" وخطر الجلابيب البيضاء والذقون المنفوشة وشركات الإعلان التي تصور الصياد والمزارع والميكانيكي والأستاذ والتلاميذ "المصريون" كأنهم يعيشون في الجنة !! ظلمك وعتوك عم بلدك من أقصاها إلى أقصاها فحولته سجنا لأهله وعزبة لعائلتك وضعفك وزلك عم خارج بلادك فحولت "ألبلد"(بأل التعريف) المحوري والأهم في المنطقة إلى بلد هامشي يأخذ "إعانة"(وهي بالحقيقة إهانة) أميركا ويفعل ما يأمره به مستشارو سيد البيت الأبيض !! هي والله هبة واحدة عاصفة مزلزلة قادمة ستعيد مصر "أم الدنيا" وترسلك بائسا لتجاور بائسا آخر سبقك يعرف الفرنسية جيدا فليقرأك رواية فيكتور هيغو,ولا تغرر نفسك بأن أعداد المنتفضين قليل ألم تسمع بأن :"أول الغيث قطرة ثم ينهمر" !!
-
طائرة القذافي و مبارك إلى جدةنصيحة إلى الأخ القذافي نظرا لوقوع ليبيا على الأقل جغرافيا بين ثورتين ينصح بالتوجه هذه المرة بذات الطائرة التي ستقل مبارك إلى السعودية . في التأني الندامة لأن القصور السعودية محدودة الاستيعاب
-
أين الموضوعيةتقرير منحاز جدا جدا وكأنه صادر من صحيفة معارضة مصريةملايين المصريين لا يعارضون مبارك رغم استيائهم من الأوضاع هل أصحاب الصوت العالي هم فقط المتاح لهم التعبير عن مواقفها وتصويرهم بأنهم الأقوى؟
-
بلد الثمانين مليوناً,مليونٌ واحدٌ سيطيح النظام.لو أن مليوناً واحداً فقط من شعب مصر إعتصم وسط القاهرة وشلّ حركة الشارع والمطار والحكومة لمدة أسبوع,أنا أجزم أن كل القيادات السلطوية وعائلة الرئيس ستهرب إلى شرم الشيخ,ومن هناك سيغادرون إما إلى (جدة أو ليبيا), أو يكونوا قيد الإقامة الجبرية.
-
ادعموناتظاهروا يا أحرار لبنان أمام السفارة المصرية..نحتاج سماع صوتكم
-
المهم أن لا يجني الثمار فيالمهم أن لا يجني الثمار في النهاية المكر الأميركي كما حاولوا فعل ذلك ابان الثورة الإسلامية في إيران بعد خروج الشاه وتنصيب شاهبور بختيار رئيس للوزراء علامة إستفهام حول زيارة السيد جيف إلى تونس ومقابلته لقائد الجيش ورئيس الحكومة الإنتقالية
-
ما لا يدركه الاسرائيليون صحيح ان مصر ليست لبنان وليست تونس وكذلك تونس ليست مصر ولا لبنان لكن آمال وطموحات وتطلعات ومعاناة واوجاع شعوب مصر وتونس ولبنان هي واحدة ...هذا ما لا يدركه الاسرائيليون