تونس ــ الأخبارفي يوم الجمعة الثاني بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، بات الإسلاميون يقدمون أنفسهم علناً، بعد حظر دام أكثر من عقدين، في عهد النظام السابق. الإسلاميون الأساسيون هم أعضاء حركة النهضة المحظورة، التي تترقّب عودة زعيمها الروحي راشد الغنوشي من المنفى غداً الأحد. الحديث عن هذه العودة هو الشغل الشاغل للمنتمين إلى حركة «النهضة» الذين يتجنّبون اتخاذ مواقف من الوضع القائم بانتظار إعادة لمّ شمل الأعضاء والقيادات. وعلى هذا الأساس كان موقف الحزب من الحكومة الجديدة، إذ اكتفى علي العريض، القيادي في الحركة

، بالإشارة إلى أن «النهضة» «سجلت حصول تغيير، وتتعاطى بواقعية مع الوضع في البلاد» لتحقيق المطالب الشعبية. وأضاف «نحن في صدد التشاور مع بعض الأطراف السياسية في هذا الشان».
لا موقف رسميّاً واضحاً للحركة الإسلامية من التطورات الحكومية الأخيرة، بانتظار عودة راشد الغنوشي، الذي من المقرر أن يطلق ورشة إعادة بناء في الحركة للتماشي مع المرحلة الحالية. العريض أكد لـ«الأخبار» أن الغنوشي سيصل إلى تونس بعد ظهر غد الأحد، مشيراً إلى أن الحركة تعدّ له «استقبالاً عادياً». استقبال يضمّ «أهله وأصدقاءه وإخوانه ومحبيه. استقبال يليق بقيادي عائد من المهجر بعد أكثر من عشرين عاماً من النفي»، ما يعني أن الاستقبال سيكون حاشداً.
العريض لا يعبّر عن موقف واضح للحركة من الأوضاع، ويكتفي بالقول «إنها لم تستقر بعد». لم تستقر حتى بالنسبة إلى الحركة، التي تعتزم في الأيام القليلة المقبلة تقديم طلب للحصول على ترخيص لحزب، ومن ثم «العمل مع شركائنا حتى لا تُجهَض مكاسب الثورة».
الأمر الأبرز الذي ينتظر عودة الغنوشي، بحسب العريض، هو الإعداد لمؤتمر عام للحركة يفرز قيادات وبرامج وأهداف سياسية، ويحدّد مهمة وطنية «للحفاظ على مكاسب الثورة، وتقديم حركة معاصرة، لنتكاتف مع الأطراف الأخرى في الوطن».
على هذا الأساس، فإن الحركة تعوّل على عودة الغنوشي، الذي قضى سنوات بين السجن والمنفى، لشدّ عضدها وتقديمها بصورة جديدة إلى المجتمع. وتؤكّد مصادر سياسية في تونس أن الحركة الإسلامية، في حال تنظيم صفوفها، فإن بإمكانها اجتذاب نحو 30 في المئة من التونسيين في الانتخابات المرتقبة خلال الأشهر المقبلة، لكن «ليس في إمكانها فرض برنامج حكم إسلامي»، على اعتبار أن العلمانية أصبحت «متجذّرة في المجتمع التونسي على مدى أكثر من خمسين عاماً».
عبارة الحكم الإسلامي لا يتلفّظ بها قياديّو النهضة، لكن بعض الأنصار أو المنتمين يلمّحون إليها بخجل، على غرار منصف القربي، الأستاذ الجامعي الذي يجاهر بانتمائه إلى حركة النهضة. القربي يشير إلى ضرورة اعتماد معايير إسلامية في الحكم، لكنه يرفض فكرة الإقصائية التي اعتمدها «التجمّع الدستوري الديموقراطي»، والتي يرى أنها لا تزال قائمة إلى اليوم عبر استبعاد «النهضة» من الحكومة الجديدة ومن المفاوضات على تأليف لجان المراجعة.
وعلى غرار القربي، يؤكد النقابي مبروك ساسي انتماءه للنهضة، ويشير إلى أن الحركة كانت عرضة لتشويه سمعة خلال المرحلة الماضية من قبل النظام السابق. ويشدد على نفي صفة التعصّب عنها، باعتبارها قادرة على التعايش مع كل أطياف المجتمع وأحزابه، اليمينية واليسارية. ويرى أن النظام السابق خدم الحركة من خلال الاعتقالات وزجّ قياداتها في زنازين واحدة مع الشيوعيين والقوميين، «إذ تعلمنا الحوار والديموقراطية في السجون».
الحكم الإسلامي بالنسبة إلى القربي وساسي لا يزال من المبكر الحديث عنه، لكنهما لا يخفيان رغبتهما في رؤية «الخلافة الإسلامية من جديد».