لأنّ «شرّ البلية ما يضحك»، تظلّ النكات حاضرة رغم فداحة الواقع. وكلما كان الواقع عبثياً، منح الطرفة مادة أوّلية أدسم. ماذا يقول الشارع عن ديكتاتور «نيروني» النزعة، يتشبّث بالسلطة بأسنانه حتى آخر رمق، محتفظاً بنبرة متعالية تستند إلى حالة نكران طوعي، يغذّيها غطاء دولي؟يكاد رصيد الرئيس المصري حسني مبارك من النكات يكون الأعلى من بين «زملائه» العرب. فالمصريون «لا يرحمون»، وتظلّ خفة الدم تلازمهم رغم كآبة «قانون الطوارئ» الذي يرزحون تحته. من آخر نكاتهم أن معاوني الرئيس طلبوا منه صوغ رسالة «تودّع فيها الشعب يا ريّس»، فأجابهم «ليه هو الشعب رايح فين؟»، في إشارة إلى العناد والتعنّت اللذين يغذّيان تمسّكه بالسلطة. ومنها أيضاً أنه ركب الطائرة مغادراً القاهرة برفقة زوجته وولديه، فقال له علاء: «يا بابا إرمي 25 جنيه تفرّح قلب عيلة مصرية»، فأردفت زوجته سوزان: «إرم خمسين تفرّح قلب عيلتين»، وأضاف جمال: «خلّيهم 75 وفرّح تلاتة بالمرّة»، إلى أن عجز قبطان الطائرة عن كتمان غيظه ففتح باب المقصورة وصرخ: «يا سيدي إرم نفسك وريّح 80 مليون وخلصنا بقى!».
في السياق ذاته، أغنى الشارع اللبناني خلال الأيام الأخيرة رصيد مبارك ببعض النكات «صنع في لبنان»، منها أنه «ورد الآن أنه جار الاتصال بالطبيب السعودي الشهير والمتخصص عبد الله الربيعة، لإجراء عملية فصل توائم مستعصية، حيث عجز الأطباء المحليون عن فصل حسني مبارك عن كرسي الرئاسة». إلى ذلك، اتصل مبارك بإحدى الإذاعات، برنامج «ما يطلبه المستمعون» وأهدى إلى شعبه من على الأثير أغنية «أخاصمك آه.... أسيبك لأ». البرنامج ذاته تلقّى اتصالاً من الشعب المصري الذي طلب أغنية أهداها للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، كلماتها «بن علي... خد صاحبك عني، بن علي... صاحبك جنّني». وأيضاً أن «مبارك يطالب بتغيير الشعب». هذه كانت عينات من النكات التي تندّرت بمرض الرئيس الاستحواذي في الحفاظ على الرئاسة.
لكن، من ناحية أخرى، هناك من استبق الأحداث وتندّر على لحظة الرحيل التي ينادي بها الشعب: عُلِمَ من مصادر مطّلعة أن مبارك اتصل باسماعيل هنية، رئيس الحكومة المقالة وبشّره بأنه سيفتح الأنفاق مجدداً وسيكون أول الواصلين إلى غزة. أو أيضاً اتصل مبارك بزين العابدين بن علي، الرئيس التونسي المخلوع المقيم في السعودية وطلب منه: «خلّيلي المفتاح تحت الدعسة، جايي بعد شوي».
أما في وصف الحالة العبثية في شوارع مصر، فقال البعض: «شوارع CAIRO تحترق، وحسني مبارك متل CAIRO».
وفي توقّع نجاح الثورة، يحكى أن أحد المواطنين سأل صديقه: «ماذا سيحدث إذا نجحت الثورة المصرية؟ فأجابه: سيلعبون في النهائي ضد تونس».
ثمة صديقة مصرية كانت تردّد دوماً أن «النكتة والضحك هما ما يمنعان هذا الشعب من الموت قهراً»، ألم تكن النكتة ما استعان به المصريون، حتى حين خسروا غزة في نكسة 1967 التي اكتأب خلالها الملايين؟ يومها، شاعت نكتة مفادها أنه خلال أحد اجتماعات مجلس قيادة الثورة بعد نكسة 67، صرخ عبد الناصر: آخ!، فسأله رفاقه: «ما لك يا ريّس؟» فأجاب: «ما فيش... غزة وراحت».
النكات لا تشفي غليل المصريين فقط، بل لعلها الوسيلة الأنجع للعرب جميعاً في مواجهة المظالم التي يتعرضون لها والأوضاع العبثية التي يخلقها ديكتاتوريون هرموا ولا تزال شعورهم تخلو من أي شعرة بيضاء.
ففي النهاية، هل هناك ما هو أجمل من نكتة استشرافية تتوقّع أن تكون «القمة العربية المقبلة عبارة عن جلسة تعارف بين الرؤساء العرب؟»