القاهرة ــ أولى المعارك التي خاضها شباب «الفايس بوك» في مصر كانت معركة تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل. بدأت الدعوة عاطفية: كيف تُصدّر مصر، قلب العروبة النابض، الغاز للكيان الصهيوني الذي يقتل أطفال فلسطين؟ دعوةٌ تبلورت داخل العالم الافتراضي قبل أن تخرج إلى أرض الواقع. تحرّك عدد من الخبراء والقانونيين، ورفعوا دعاوى قضائية لوقف عملية التصدير، تبعتها تظاهرات أمام مجلس الدولة الذي نظر في الدعاوى المرفوعة ضد رئيس مجلس الوزراء السابق أحمد نظيف، ووزير النفط سامح فهمي، ووزير المالية السابق يوسف بطرس غالي. هؤلاء الثلاثة ظلّوا في مرمى نيران الغاضبين الذين رفضوا التصدير والبيع بثمن بخس. زادت حدة الغضب مع اجتياح تل أبيب لغزة، وتبرير الحكومة استمرار العملية احتراماً للاتفاقية.
تذكّر ثوار النيل جريمة تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني صبيحة الخامس من الشهر الجاري، حين بثت وكالات الأنباء خبر تفجير خط الغاز الذي يغذي الأردن، وجزءاً من إسرائيل، رغم أن الشباب صُدموا جراء بقاء سامح فهمي في الوزارة بعد 25 كانون الثاني.
الغاز في مصر هو خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه أو المساس به، جملة وردت على لسان عدد من مسؤولي نظام حسني مبارك، الذين اجتهدوا كثيراً في الربط بين التفجير والثورة التي أنعشت مصر. فأعادت هذه العملية الجدل الذي خفتَ لبعض الوقت، وطرحت عدة أسئلة: هل تعيد حكومة ما بعد الثورة النظر في الاتفاقية التي يرى كثيرون أنها فُصّلت على مقاس رجل الأعمال حسين سالم، أحد أباطرة نظام مبارك الاقتصاديين؟ هل كان التفجير عشوائياً، وخصوصاً أن حادثاً مماثلاً وقع عام 2001، أم أن المقصود منه إيصال رسالة إلى النظام المصري مفادها أن الأوضاع السياسية تغيرت؟
لا يجزم خبير البترول في الشركة القابضة للغاز «ايغاس»، أيمن عبد الحميد، باحتمال تعديل الاتفاقية، لكنه في الوقت نفسه لا يستبعد هذا الخيار لمواجهة غضب الثوار في ميدان التحرير. يقول «افتقرت الحكومة السابقة إلى الحكمة عند توقيع الاتفاقية، إذ لم تحدد بدقّة ما هي العوامل التي قد تتطلّب إعادة النظر في تسعير الغاز».
حكومة أحمد نظيف السابقة أعطت تل أبيب فترة زمنية هي 20 عاماً، تعد هذه مدة طويلة قياساً لما يجري في مثل هذه الاتفاقيات، ضاربةً المثل بروسيا التي عدّلت أسعار القمح بعد الأزمة الأخيرة.
بدأ تصدير الغاز إلى إسرائيل عام 2000، عقب تأسيس شركة «شرق المتوسط» التي يملكها رجل الأعمال الشبح حسين سالم، الذي لا يفارق منتجع شرم الشيخ، ويعد ملكاً مُتوّجاً في مقر الرئيس المفضل. الأخير التفّ على القانون الذي يمنع دخول الشركات الخاصة في الاستثمار المطلق في مجال البترول، من خلال مساهمة الهيئة العامة للبترول المصرية في هذه الشركة، فباتت تملك نسبة 68.4 في المئة منها. أما النسبة الباقية، فتتوزع كالآتي: 25 في المئة تملكها الشركة الإسرائيلية الخاصة «مرهاف»، و6.6 في المئة لشركة «أمبال ـــــ إسرائيل» الأميركية، علماً أن الشركتين يملكهما رجل الأعمال، الضابط السابق في جهاز الموساد، يوسف مايمان.
يقدّر احتياطي مصر المعلن من الغاز بنحو 1 في المئة من احتياطي الغاز العالمي. وتقول الحكومة المصرية، طبقاً لما هو منشور على موقع الهيئة العامة للبترول عام 2008، إنه لديها 75 تريليون قدم مكعب، فيما يرى خبراء أن النسبة أقل من هذا الرقم بكثير، ما يفسر الانخفاض الكبير في نصيب المواطن المصري من الطاقة الذى يصل إلى 0.83، فيما تصل هذه النسبة إلى 1.24 في الأردن، و7.62 في الولايات المتحدة.
خرجت صيحات الغضب والاستهجان إلى الشارع المصري عقب إعلان اتفاقية تصدير الغاز إلى إسرائيل. زاد الغضب الشعبي عام 2009، عقب الإعلان عن خطة لاستيراد الغاز من الخارج لسد الاحتياج المحلي. واتهم عدد من مسؤولي حملة «لا لنكسة الغاز»، على رأسهم السفير إبراهيم يسري، أشهر من تصدى للاتفاقية أمام المحاكم المصرية، ومنسق الحملة أنور عصمت السادات، وزارة البترول بإهدار ثروة مصر من خلال تصدير الغاز إلى إسرائيل والدول الأخرى بأسعار تقل عن بيعه محلياً. فمصر تُصدّر الغاز الطبيعي لإسبانيا بـ75 سنتاً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (وحدة قياس الغاز)، وبسعر 1.25 دولار لكل من الأردن وإسرائيل. والمفارقة أنها تشتري حصة الشريك الأجنبي من إنتاج الغاز الطبيعي بسعر 2.65 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية كحد أدنى.
إبراهيم زهران، الخبير في مجال الغاز، يرى أن الحديث عن أي تعديل في بنود الاتفاقية الموقعة بين مصر وإسرائيل، حتى بعد قيام الثورة، يعني حرباً بين الجانبين واشتعال المنطقة. ويؤكد أن الرئيس القادم إلى قصر العروبة لن يقدم على هذه الخطوة بطريقة مباشرة، لكن من الممكن أن ينفّذها على مراحل تبعاً للظروف الدولية.
ويشير زهران إلى أن «تصدير الغاز الطبيعى يجري من شبكة الاستهلاك المحلي أي بعد معالجته، ما يعني وصوله مدعماً إلى كل من إسبانيا وإسرائيل والأردن».
فور توافر هذه المعلومات لدى عدد من النشطاء، سارعوا إلى رفع دعاوى قضائية. وكان القضاء الإداري قد أصدر عام 2008 قراراً بوقف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، رغم قول الحكومة المصرية إنها لا تصدّر، بل تبيع لشركة «شرق المتوسط» التي تقوم بعد ذلك بعملية البيع.
لم تنته المعركة. سعت الحكومة إلى الضغط لتعليق القرار، ونجحت في شباط عام 2010، حين قررت المحكمة الإدارية العليا إلغاء حكم القضاء الإداري السابق بوقف تصدير الغاز بأسعار تفضيلية.
تبعاً لهذا التطور، ظهرت مجموعات حملت على عاتقها التصدي لقضية تصدير الغاز، كانت أبرزها مجموعة على «الفايس بوك» تحمل اسم «لا لنكسة الغاز المصري»، تتصدره كلمة أوقفوا نزف مواردنا الطبيعية. يصل عدد المشتركين في هذه المجموعة إلى 3.732 عضواً، أسهم عدد منهم في الفعّاليات المناهضة لتصدير الغاز.
هذه المجموعة ليست الوحيدة في مواجهة عملية تجريف موارد مصر الطبيعية، حيث ظهرت أخرى تحمل اسم «حملة المليون مصري وعربي لإيقاف تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل»، التي وصل عدد أعضائها إلى 23.313.
تُمثّل جريمة تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل تحدياً كبيرا أمام الثوار الذين يبحثون عن مصر جديدة ومختلفة عن مصر مبارك وأشباحه، التي باعت أحد أهم موارد البلد للكيان الصهيوني من دون أي إفادة للشعب.



تل أبيب تبحث عن بديل

أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مشاورات طارئة مع وزير البنى التحتية، عوزي لانداو، وجهات مختصة في المؤسسة الأمنية، بحث فيها إمكان الانتقال إلى مصادر بديلة للطاقة، وذلك في أعقاب التفجير الذي استهدف خط أنابيب الغاز الذي تستورد عبره إسرائيل الغاز المصري.
وقال نتنياهو إن إسرائيل «لا تزال متعلقة حالياً بتوريد الغاز من مصادر محدودة، ولا سيما من مصر. وبناءً عليه، فمن المهم لنا على المدى المتوسط تطوير مصادر غاز إضافية». وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن وزارة البنى التحتية «أصدرت تعليمات لشركة الكهرباء وشركات إسرائيلية أخرى تستورد الغاز بالاستعداد لهذا الخيار»، كما أصدر وزير الدفاع، إيهود باراك، بياناً قال فيه إن «الأجهزة الأمنية ستتخذ خطوات لتعزيز الحراسة على منشآت شبكة توريد الغاز».
(الأخبار)