القاهرة| مفاجآت المصريين للسلطة لا تتوقف، رغم رهان الأخيرة على ملل الشباب من البقاء في ميدان التحرير. لكنّ المعتصمين يتزايدون يوماً بعد يوم. المقاومة أيضاً تتوسع لتشمل كل مصر التي أصبحت «ميداناً للتحرير». أمس خرج المئات من أهالي الأقصر (جنوب مصر). خرجوا استنكاراً لاستيلاء الدولة على أراضيهم في المدن والقرى (المريس والقرنة والأقصر) في ما عرف بين الأهالي بمشروع «جمال مبارك».
تردد أنه سُحبت أراضي هؤلاء المواطنين لإقامة مشروع سياحي كبير سيقضي على جزيرة كاملة تعدّ أرضاً خصبة. كذلك أزيل العديد من المباني السكنية من أجل مشروع «الأقصر كمتحف مفتوح».
إذاً خرج أصحاب الأراضي ليستعيدوا أرضهم المسلوبة. طلبوا مقابلة محافظ المدينة سمير فرج الذي غاب عن مبنى المحافظة كلها. رجال الأمن حاولوا التفاوض مع الأهالي الذين رفضوا أي محاولة لثنيهم عن التحرك، وخصوصاً أنه لم يُعوّض عليهم تعويضاً كافياً، إذ اكتفت السلطات بمنحهم شققاً لا تصلح للسكن الآدمي بدلاً من بيوتهم الأصلية. صحافيّو القاهرة كانوا أيضاً على الموعد مع الثورة. صحيح أن معظمهم لم يغب عن ميدان التحرير، لكنهم أمس اجتمعوا أمام نقابة الصحافيين لتشييع زميلهم أحمد محمود، الذي كان يعمل في صحيفة «الأهرام»، بعدما استشهد برصاص الشرطة المصرية. الصحافيون هتفوا لدى رؤيتهم نقيب الصحافيين، مكرم محمد أحمد: «مكرم بيه يا مكرم بيه، دم الشهدا بكام جنيه». رفضوا مشاركته في التشييع، واشتبكوا معه لدفاعه عن النظام وتقليله من شأن الثورة المصرية. ودعا عدد من الصحافيين إلى اجتماع للجمعية العمومية الأسبوع المقبل لسحب الثقة من مكرم كنقيب لهم.
كذلك، سيتقدم الصحافي وعضو النقابة، يحيى قلاش، ببلاغ إلى النائب العام لمنع رؤساء مجلس الإدارة في الصحف، السابقين والحاليين، وعدد من رؤساء التحرير، من السفر، والتحقيق معهم لمعرفة مصادر ثرواتهم التي يتجاوز بعضها المليارات.
سائقو سيارات الأجرة تحركوا أيضاً. تظاهروا أمام وزارة المال. عددهم لم يتجاوز المئة. مع ذلك، طالبوا بمحاكمة وزير المال الذي خدعهم (كما قالوا)، إذ منحهم سيارات أجرة جديدة في مقابل مبلغ مالي يدفعونه كل شهر، على أن تتحمّل بعض الشركات بقية الأقساط في مقابل وضع إعلانات على التاكسي. لكنهم فوجئوا بإضافة 500 جنيه إلى القسط الشهري بحجة أن الشركات رفضت فكرة الإعلانات.
الموظفون في وزارة التربية والتعليم كانوا أكثر عدداً أمس. أكثر من ألفي متظاهر هتفوا مطالبين برحيل مبارك، ومعه وزير التعليم أحمد زكي بدر، إلى غير رجعة، وخصوصاً بعدما ترددت شائعات عن أن إقالته من منصبه مؤقتة، وأنه سيعود مرة أخرى إلى الوزارة بعد أن تهدأ الأمور. المتظاهرون طالبوا أيضاً برحيل مستشاري الوزير الذين جاءوا معه. حضر إلى مكان التظاهرة وزير التعليم العالي، المكلف بإدارة الوزارة حتى تعيين وزير جديد لها، هاني هلال، الذي حاول تهدئة المتظاهرين ووعدهم بالاستجابة لمطالبهم. سُمعت أصوات رصاص حي أثناء التظاهرة، ما دفع بالمتظاهرين إلى الهتاف «سلمية... بلطجية».
أما عمال «عمر أفندي»، صاحب أكبر قضية فساد اقتصادي في مصر، فقد خرجوا أيضاً للمطالبة بحقوقهم المسلوبة، وأكدوا استمرار الاحتجاج إلى أن يُحقّق مع وزير الاستثمار السابق محمود محيي الدين، مناشدين النائب العام المستشار عبد المجيد محمود توجيه تهم الإضرار بالأمن القومي لبيع صرح تجاري لمستثمر عربي بثمن رخيص.
كذلك اجتاز أكثر من 5 آلاف مواطن طريق القاهرة ـــــ الإسماعيلية، احتجاجاً على حصولهم على طلبات خُتمت بأختام مزورة من محافظة القاهرة، على حدّ قولهم، لحجز شقق سكنية خاصة بالزواج الحديث، بعدما أعلنت المحافظة توافر 2000 وحدة سكنية للشباب المتزوجين حديثاً من أبناء محافظة القاهرة والمقيمين فيها إقامة دائمة، وذلك اعتباراً من أول شباط الجاري.
أكثر ما تخشاه الحكومة حالياً هو تحركات العمال وطلاب الجامعة، لذا يجري التضييق الأمني على عمال غزل المحلة. كذلك أعلن وزير التعليم العالي، أول من أمس، تأجيل الدراسة في الجامعات لمدة أسبوع. ورغم هذا التضييق، خرج عمال مصنع «أسمنت طرة» في تظاهرة حاشدة تأييداً للثورة المصرية، واتفق أساتذة الجامعة على مسيرة حاشدة ظهر اليوم، تنطلق من أمام نادي أساتذة الجامعة في المنيل باتجاه ميدان التحرير.
أما التظاهرات الطريفة، فهي التي قام بها «البلطجية» الذين استأجرهم الحزب الوطني مع الخيول والجمال لتأديب المتظاهرين. البلطجية حصلوا على مبالغ تافهة من أجل تفريق مجموعة «عيال» صغار كما قيل لهم. لكنهم وجدوا أن العيال يقترب عددهم من مئة ألف متظاهر. فقدوا في المعركة الحامية خيولهم التي استولى عليها المتظاهرون، وفوجئوا بتخلّي رجال الحزب الوطني عنهم، فما كان منهم إلا أن حطّموا مقر عضو البرلمان الوطني الذي خانهم!