تونس ــ اختلط الشأن السياسي بالشأن الأمني في تونس خلال اليومين الماضيين، ففي الوقت الذي عاشت فيه البلاد مجموعة من الأحداث الأمنية، عرفت الساحة السياسية فوضى عارمة، كان مركز ثقلها مبنى البرلمان، حيث عُقدت جلسة لبحث مشروع قانون يخوّل الرئيس المؤقت صلاحية إصدار مراسيم رئاسية لـ «تسهيل عملية التحول السياسي الديموقراطي».الفوضى بدأت منذ صباح، أول من أمس، باحتشاد كبير من شبان ونقابيين وطلبة وممثلين عن المجتمع المدني أمام مقر البرلمان، رافعين شعارات تشير إلى عدم «مشروعية هذا الاجتماع»، مطالبين بـ «حل البرلمان».
وامتد هذا الجدل إلى داخل قاعة الاجتماعات ليشتعل صراعاً بين النواب، فيما كان المتظاهرون في الخارج يؤكدون رفض عقد الجلسة. وأكد الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في تونس، عثمان بالحاج عمر، لـ «الأخبار»، إنه «لا توجد شرعية لهذه الجلسة وللبرلمان في حد ذاته»، مشيراً إلى أن هذه «المؤسسة وغيرها من مؤسسات الدولة كانت وليدة دستور فصّل على مقاس الحبيب بورقيبة في السنوات الأولى من الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، ثم جاء الرئيس المخلوع وفصّله على مقاسه كذلك».
وأضاف الأمين العام لحزب البعث، العضو في جبهة «14 كانون الثاني» المعارضة، إنّ النواب لا يمثلون الشعب التونسي، وإنّ القرار المتفق عليه جاء للالتفاف على الثورة و«استنساخ نظام جديد من رحم النظام البائد».
كلام عبّر عن موقف حزب ظل طوال سنوات حكم النظام البائد يمارس العمل السياسي في السر، رغم أن منتسبيه لم يتعرضوا لنفس الانتهاكات التي تعرض لها إسلاميو حركة النهضة، الذين «عُذّبوا وشُردوا وقُتلوا تحت سوط التعذيب وسياسة الموت البطيء».
ورغم ذلك، فإن موقف حركة النهضة اتخذ طريق الوسط. موقف عبّر عنه القيادي في حركة «النهضة»، علي العريض، الذي أقرّ لـ «الأخبار» بأن الحركة «تدعم كل ما يمكن أن يجعلنا نقطع مع الماضي المأساوي لبن علي»، قائلا إن الحكومة الحالية والأجهزة هي أجهزة وقتية وستنتهي صلاحيتها مع انقضاء الفترة الانتقالية، وهي فترة مهمة للمرور إلى الديموقراطية، وبالتالي فـ «نحن لسنا ضد الحكومة أو معها، بل مع أن تستجيب الحكومة لطموحات الشعب في الحرية والعدالة».
الصراع الذي تعيشه الساحة السياسية التونسية أخذ ينعكس على الميدان الشعبي مباشرةً، إذ انطلقت في اليومين الماضيين تنديدات بتعيينات الولاة (المحافظين) الجدد، وشهدت البلاد إضرابات عن العمل بالجملة، ما سبّب اشتباكات بين رجال الأمن والمتظاهرين، وسط اتهام لـ «النظام البائد» بالضلوع في الانفلات الأمني وأعمال السلب والنهب، و«هذا ما جعل الجيش يدعو الاحتياط إلى التعبئة في كامل أنحاء الجمهورية، بعدما لوحظ جيداً أنّ رجال الأمن لم يتسلّموا جميعاً مراكز عملهم»، حسب وصف أحد الضباط في جهاز الأمن لـ «الأخبار»، وهو ما دفع وزارة الداخلية إلى توجيه نداء يحمل نبرة وعيد لرجال الشرطة والحرس الوطني لمباشرة مهمّاتهم والتصدي لما قال عنه وزير الداخلية «مؤامرة على أمن البلاد الداخلي».
وأثمر الاحتجاج على تعيين الولاة اتفاقاً بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل على إجراء تعديلات في التعيينات، ما من شأنه أن يخفّف حدة الاحتجاجات.
ولعل ما تعانيه وزارة الداخلية وجهاز الأمن الداخلي قد يفهم، من نطاق التغيّر الذي طرأ على مفهوم الأمن في تونس، إلا أن ما لا يفهم هو تلك الطريقة التي تكلم بها وزير الخارجية المعين حديثاً أحمد عبد الرؤوف ونيس، الذي يبدو أن حواره الذي دام ساعتين على «قناة نسمة» الخاصة قد يعجّل برحيله عن منصبه.
الوزير تحدّث بلغة غير مفهومة وسقط في عدة أخطاء دبلوماسية، كان أبرزها أنه قال إن «ما قام به الشعب لا يعدّ ثورة»، وأنه كان سعيداً وكان «له الشرف» كذلك لمقابلته وزيرة الخارجية الفرنسية ميشيل اليو ماري، التي أصبحت منذ 14 كانون الثاني الماضي محل قصف إعلامي من الصحافة الفرنسية بعد الفضيحة التي اقترفتها، عندما عرضت خبرة بلادها الأمنية في مقاومة المتظاهرين وقمعهم.
أخطاء ونيس دفعت أعضاء السلك الدبلوماسي إلى المطالبة باستقالته، بل وانطلقوا منذ يومين في اعتصام مفتوح في مقر الوزارة وطردوا الوزير، واشترطوا فك الاعتصام بإقالته من منصبه، معلنين براءتهم منه.