انضمت فئات جديدة كثيرة من المجتمع المصري إلى حركة الثورة، في مختلف المحافظات، مع اضطرار المسؤولين الحكوميين إلى تغيير مقارهم لتجنُّب محاصرتهم من الشعب. رئيس الحكومة أحمد شفيق غادر مقر رئاسة الحكومة في شارع القصر العيني، وعاد إلى المكان الذي كان ينتمي إليه قبل نحو أسبوعين، أي إلى وزارة الطيران المدني في مدينة نصر. مجلسا الشعب والشورى أقفلا حتى رحيل مبارك وتحوّلا إلى مكان جديد لاعتصام الشباب المصري.
التلفزيون بقي محاصراً في ظل حماية أمنية كبيرة. الإضرابات العمّالية عمّت مختلف المحافظات تحت شعارين: تحسين ظروف العمل وتأييد مطلب سقوط النظام. تجمّعات المثقفين والكتاب والفنانين انضمت إلى المتظاهرين، معطوفة على انشقاقات جديدة في صفوف الجهاز الإعلامي الرسمي.
ولم يكن ينقص إلا هدر المزيد من دماء الشعب المصري؛ فقد شهدت محافظة الوادي الجديد جريمة جديدة ارتكبها عناصر الشرطة أودت بحياة 5 متظاهرين وجرح أكثر من 100 آخرين، ما أدّى إلى ازدياد وتيرة الغضب الشعبي، واتخاذ إجراءات ترقيعية مثل إقالة محافظ «الوادي الجديد» وقائد الشرطة فيها. تطورات ميدانية حاول النظام اللحاق بها ببيروقراطيته المعتادة التي صار لها عنوان جديد: اللجان التي أعلن الرئيس مبارك تأليفها لتعديل الدستور والقوانين المتعلقة بمراقبة الانتخابات والنظر بالطعون الانتخابية. كلام تهديدي آخر حاول أحد الأركان الغائبين كلياً عن المشهد الرسمي منذ اندلاع ثورة 25 كانون الثاني الماضي، وزير الخارجية أحمد أبو الغيط الذي لم ينفع تهويله بأن يحصل انقلاب عسكري في حال عدم توقّف التظاهرات الشعبية. أما آخر محاولات استرضاء الشعب، فعبّرت عنها قرارات الحجز على أموال 4 من الوزراء السابقين، وبعض رجال الأعمال من أركان نظام مبارك، والأمين العام السابق للحزب «الوطني» الحاكم أحمد عزّ.
وفيما وصل عدد المعتصمين في ميدان التحرير إلى أرقام قياسية جديدة في اليومين الماضيين، بالرغم من هطول الأمطار الغزيرة، تظاهر آلاف العمال في أنحاء مختلفة من محافظات مصر احتجاجاً على ضعف الرواتب، وتأييداً للتظاهرات المطالبة بتنحي مبارك ونظامه. ومن بين النقابات التي أعلنت الإضراب والتظاهر «شركة فحم الكوك والكيميائيات الأساسية» في محافظة حلوان، معقل عدد من الصناعات المصرية، جنوبي القاهرة. وفي مدينة المحلة بمحافظة الغربية، في دلتا النيل، بدأ المئات من عمال شركة «غزل المحلة» اعتصاماً مفتوحاً أمام مبنى الإدارة. كذلك كانت حال أكثر من 1500 من العاملين في مستشفى كفر الزيات، في محافظة الغربية أيضاً ومستشفى القصر العيني، أكبر المستشفيات المصرية.
أما في محافظة السويس، فقد بدأ أيضاً عمال «شركة مصر الوطنية للصلب» إضراباً عن العمل. كما كان العاملون في 3 شركات تابعة لهيئة قناة السويس قد بدأوا إضراباً عن العمل، لكن هذه الشركات ليس لها صلة بإدارة العمل في المجرى الملاحي.
وفي السياق، عمد موظفو قطاع الآثار في وزارة الثقافة الى التظاهر والاعتصام أمام وزارة الآثار الجديدة. وبعد وقت قصير، قدم وزير الثقافة المعين حديثاً، جابر عصفور، استقالته التي بررها بـ«الأسباب الصحية».
وفي مطار القاهرة، تظاهر موظفو شركة المطار للمطالبة بتحسين أوضاعهم غداة تظاهرة أخرى لرجال الأمن في «شركة مصر للطيران». كذلك الحال في مدينة نصر (شرق القاهرة)، حيث تظاهر موظفو الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
وقطع المتظاهرون خط السكة الحديد الذي يمر بمحاذاة مدينة أسيوط في صعيد مصر، الذي يربط شمال مصر بجنوبها. وانضم سائقو وعمال هيئة النقل العام في القاهرة إلى زملائهم المعتصمين والمتظاهرين.
ولم يتأخر الكتّاب والمثقفون المصريون والعاملون في قطاع السينما، عن اللحاق بالحركة الشعبية تلبية لدعوة أطلقها «اتحاد كتاب مصر»، تضامناً مع «المطالب المشروعة» للشعب المصري. كل ذلك وسط استمرار التظاهرات الحاشدة في المدن المصرية الكبرى استعداداً لـ«يوم التحدي» المقرر اليوم، وهو ما دفع بالجيش إلى تعزيز انتشاره على الطرق المؤدية إلى «قصر العروبة» الرئاسي تحسُّباً لمحاولة المتظاهرين اقتحامه.
أما قرب ميدان التحرير، فقد تمكن المئات من المتظاهرين من سدّ مدخل مبنى مجلس الشعب المصري، حيث لم تقع أعمال عنف مع قوات الأمن، إذ اكتفى المتظاهرون بالاعتصام أمام مدخل المبنى.
أما الدماء فكانت تسيل في مدينة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد الجنوبية، حيث قتلت الشرطة 5 متظاهرين وجرحت نحو 100 آخرين. وبنتيجة ذلك، أشعل الأهالي الغاضبون النيران في عدة مبان حكومية، من بينها مقر المرور ومركز الشرطة ومقر الدفاع المدني والمبنى السكني لأمناء الشرطة، إضافة إلى مقر الحزب الوطني الحاكم. ولم تهدأ الأجواء إلا بعدما أُقيل مدير الأمن في المنطقة اللواء عبد الله صقر، وإحالة رئيس المباحث الرائد أحمد السكري إلى المحاكمة. أمر مماثل حصل في بور سعيد الشمالية، حيث اقتحم المتظاهرون مبنى حكومياً وأحرقوا سيارة المحافظ وسيارات أخرى لمسؤولين حكوميين.
سياسياً، كان أبو الغيط يحذّر من أن «يضطر الجيش الى التدخل في حالة حدوث فوضى»، محذراً من «حدوث فوضى وتدخُّل الجيش لاستعادة زمام الأمور» إذا ما تواصلت التظاهرات. وانتقد أبو الغيط بشدّة «محاولة واشنطن فرض إرادتها على المصريين» من خلال دعوتها الى إلغاء قانون الطوارئ فوراً.
وقال أبو الغيط «يجب أن نحافظ على الدستور حتى لو تم تعديله، لأنه عندما نسير في عملية دستورية نحمي البلد من محاولة بعض المغامرين الأخذ بالسلطة والإشراف على العملية الانتقالية». وأضاف «حينها سنجد القوات المسلحة مضطرة الى الدفاع عن الدستور والأمن القومي المصري، ونجد أنفسنا في وضع غاية في الخطورة». وأعرب عن «اندهاشه لمطلب بايدن إنهاء العمل بقانون الطوارئ لأننا في أشد الحاجة الآن إليه».
أما نائب الرئيس عمر سليمان، فكان يكشف أن لجنة تعديل الدستور التي ألفها الرئيس قررت تعديل 6 مواد دستورية، هي 76 و77 و88 و93 و179 و189، التي تتضمن شروطاً تعجيزية للترشح للرئاسة، إضافة إلى قيود على الإشراف على الانتخابات وشروط الطعون، تفصِّل إعطاء رئيس الجمهورية حق إحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية، إذا ما تعلق الأمر بجرائم الإرهاب.
في هذا الوقت، كان حزب «التجمع» يعلن الانسحاب من المفاوضات مع سليمان «احتجاجاً على عدم الاستجابة لمطالب المتظاهرين». أما «جماعة الإخوان المسلمين»، فقد أكّدت أنها ستشارك في جولة الحوار الثانية.
أما قضائياً، فقد قرر النائب العام الحجز على أموال 4 من الوزراء السابقين، هم وزراء التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد، والسياحة زهير جرانة والإسكان أحمد المغربي والداخلية حبيب العادلي، إضافة إلى طلب النائب العام عبد المجيد محمود اليوم من البرلمان إصدار إذن للنيابة العامة لاتخاذ الإجراءات الجنائية التي تتعلق بأحمد عز.