القاهرة| مع نجاح «ثورة النيل»، انطلقت ثورات مصغَّرة على فساد مؤسسات إعلام النظام المصري السابق. والقرار رقم 1، الذي أصدره رئيس مجلس إدارة «أخبار اليوم»، محمد بركات، كان بياناً تحذيريّاً للتعامل مع الرئيس السابق لمجلس الإدارة، محمد عهدي فضلي، بصفته أستاذاً في أكاديمية «أخبار اليوم» فقط، من دون أي صفة أخرى. أما القرار الثاني، فكان عبارة عن خفض قيمة المقابل المادي لحضور اجتماعات مجلس الإدارة بنسبة 50 في المئة. في الوقت ذاته أنهيت خدمة هاني كامل، مدير الإعلانات في «أخبار اليوم»، والمتهم بقضايا فساد متنوعة. وتأتي قرارات بركات ضمن سياسة رؤساء مجالس إدارة الصحف القومية لامتصاص حال الغضب داخل المؤسسات الإعلامية، والسعي لإعادة هيكلتها؛ ويجمع المراقبون على أن بركات محظوظ، لكون قرار تعيينه صدر قبل أيام قليلة من انطلاق ثورة 25 كانون الثاني، وبالتالي فإن الظروف كانت مهيأة له لتحويل غضب الصحافيين إلى رئيس مجلس الإدارة السابق، والظهور بموقف «فارس التحرير والتطهير». لكن صحافيي «أخبار اليوم» تنبهوا لهذه المحاولة، فأصدروا بياناً طالبوا فيه بتقديم كل من شارك في تضليل الرأي العام منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة، إلى لجنة التأديب في نقابة الصحافيين، وإحالة «أذناب النظام البائد» الذين تربحوا من مناصبهم إلى النائب العام للتحقيق معهم في مصادر ثرواتهم الطائلة.
أما المطلب الثالث، فهو الدعوة إلى عقد جمعية عمومية عاجلة لبحث مستقبل المؤسسة العريقة، بما يضمن إعادة هيكلة متكاملة تكفل للصحافيين كرامتهم والعدالة في توزيع الموارد المالية للمؤسسة، وتولّي المناصب القيادية عن طريق الانتخاب.
حركة التعيينات الجديدة التي حصلت في «أخبار اليوم» قبل الثورة دعمت «الانتقال السلمي للسلطة» داخل المؤسسة؛ فياسر رزق، الذي تولى إدارة صحيفة «الأخبار»، قدّم رؤية شبه متوازنة خلال الأحداث، وفتحت الجريدة أبوابها لعشرات الأسماء التي كانت ممنوعة من الظهور في «الصحافة القومية»، بداية من الروائي صنع الله إبراهيم، حتى مرشح الرئاسة السابق أيمن نور. هذه الأسماء أيضاً تكررت في «الأهرام» وحتى على شاشة التلفزيون الرسمي. لكن القراءة الدقيقة لما يقدَّم تكشف عن مدى هشاشة الأسئلة والمعالجة، فالإعلام الرسمي فرح جداً بقدرته أخيراً على استضافة الشخصيات المعارضة التي كانت ممنوعة، والحديث بحرية عن قضايا الفساد. لكن قضايا الفساد المنشورة في تلك الجرائد، معظمها قضايا قديمة سبق أن نُشرت في الصحف الخاصة والمعارضة. كذلك الأسماء المعارضة التي تظهر في تلك الجرائد لا تقدم أي جديد، إذ إن معظمها ينتمي لمعارضة 2005. بالتالي، يبدو ما يقدَّم في الإعلام الرسمي كأنه طفل صغير فرح بالحرية المفاجئة التي نالها، لكنه لا يعرف ما الذي يفعله بتلك الحرية.
وتواجه الصحافة القومية المصرية مأزقين: الأول هو تحديد البوصلة التحريرية، والثاني إعادة هيكلة تلك المؤسسات بما يتناسب مع المتغيرات الجديدة لزمن ما بعد الثورة. فالصحافة القومية، قانونياً، ملك للدولة، وخاضعة لإشراف مجلس الشورى، الأمر الذي لم يكن يكفل لها أي نوع من الاستقلالية. لذلك يطالب صحافيو المؤسسات القومية بقانون جديد، يحمي هذه المؤسسات من سيطرة التوجهات السياسية الحاكمة. وفي السياق، يقترح ياسر رزق، رئيس تحرير «الأخبار» المصرية، عضو مجلس إدارة نقابة الصحافيين، طريقتين لحل المعضلة؛ الأولى اختيار رؤساء التحرير بالانتخاب، والثانية أن يرشح الصحافيون ثلاثة أسماء ترفع إلى مجلس الشورى للاختيار من بينها.
على الطرف الآخر، لا يزال بعض رجال النظام السابق من الصحافيين، محافظين على ولائهم. ويتقدم هؤلاء ممتاز القط، رئيس تحرير «أخبار اليوم» الأسبوعية، الذي وجّه تحية خاصة لحسني مبارك بعد تخلّيه عن الرئاسة، الأمر الذي جعل جمال مبارك يتصل به شخصياً لأنه الوحيد الذي وقف مع العائلة.
ومع ممتاز القط، يأتي عبد الله كمال، رئيس تحرير «روز اليوسف»، الذي لا يزال حتى اللحظة متمسكاً بموقفه الموالي لمبارك، ويتابع إدارة الجريدة والمجلة من منزله. أما رئيس مجلس إدارة ـــــ رئيس تحرير «وكالة أنباء الشرق الأوسط» (أ.ش.أ) الحكومية، عبد الله حسن، فهو مصرّ على ولائه ويسعى لاحتواء الحركة الاعتراضية الكبيرة ضده بإصداره قرارات ترقيات وتنقلات جديدة داخل الوكالة.