بعدما تحرّر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غابي أشكنازي، من صفته الرسمية التي كانت تفرض عليه حدوداً في التعبير عن مواقفه، دعا الجنرال، خلال لقاء وداعي في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أمس، إلى «إخراج دول عربية أخرى من دائرة الصراع مع إسرائيل»، في إشارة إلى سوريا. وبموازاة هذا الموقف الذي ينطوي على إقرار بمحدودية قدرات الجيش على إحداث تغيير استراتيجي في البيئة الإقليمية المحيطة بدولة الاحتلال، أكّد أشكنازي أهمية الحفاظ على جيش قوي كـ«ضمانة لوجود دولة إسرائيل، لأنه في هذا المحيط ليس هناك مكان للضعفاء». وأشار إلى أن ما يجري في العالم العربي من ثورات شعبية «يؤكد الحاجة إلى الحفاظ على جيش قوي، إلى جانب الثروات الاستراتيجية، مثل اتفاقيّتي السلام مع مصر والأردن، وإخراج جيران آخرين من دائرة الصراع». تجدر الإشارة إلى أنّ تقارير إعلامية عديدة كشفت، في السنوات الأخيرة، عن أنّ الجيش يؤيّد التوصُّل إلى اتفاق مع سوريا والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، على قاعدة أن هذه الخطوة تسمح بإخراج سوريا من حلفها مع إيران وحزب الله وحركة «حماس».
وعن الوضع على الحدود مع لبنان، حذّر أشكنازي من أن الهدوء الذي نشهده هناك، «ينذرنا بتحديات غير متوقعة، والأهم أن نبني جيشاً جاهزاً لمجابهة كل أنواع المواجهات المحتملة، وأن تكون هناك جهوزية على مستوى القوة». وأعرب عن ثقته بأن ينجح خَلَفه بيني غانتس في قيادة الجيش، واصفاً إياه بأنه «الرجل المناسب» لمنصب رئاسة الأركان.
في المقابل، رأى رئيس لجنة الخارجية والأمن، شاؤول موفاز، أنّ مسار تعيين الرئيس العشرين لرئاسة أركان الجيش، كشف عن جزء من المشاكل في عملية صناعة القرارات على مستوى رئيس الحكومة ووزير الدفاع. وأسف موفاز لـ«انكشاف المؤسسة الأمنية على نحو صعب وغير لائق، والتي ألحقت الأذى بمؤسسة رئاسة الأركان من نواحٍ عديدة».
بدورها، لمّحت رئيسة حزب «كديما» المعارض، تسيبي ليفني، إلى خلافات كبيرة بين أشكنازي ووزير الدفاع إيهود باراك، لافتة إلى ضرورة «وجود ثقة مطلقة من جانب القيادة السياسية برئيس أركان الجيش، وبالإمكان الاتفاق (بين القيادة السياسية ورئيس الأركان) أو عدم الاتفاق، لكن يجب أن نعرف أن رئيس الأركان يأتي بأيدٍ نظيفة وقلب نظيف».
وفي موقف ينطوي على تأييد مباشر لأشكنازي ولمواقفه في مواجهة الثنائي باراك ـــ (بنيامين) نتنياهو، قالت ليفني «لم أرَ أبداً رئيس أركان كان مقاولاً تنفيذياً لقرارات سياسية». يُذكَر أنّ «كديما» يسعى إلى تغيير القانون الذي يمنع رئيس أركان الجيش من دخول الحلبة السياسية والترشح للكنيست قبل مرور مدة معينة، ويطالب بتقليص هذه المدة ليتسنى لأشكنازي ترشيح نفسه في الانتخابات العامة المقبلة.
ومثلما كان متوقّعاً، فرضت الثورات العربية المتنقلة نفسها على اهتمامات منظومة القرار السياسي والأمني في تل أبيب، إذ توالت المواقف حول تداعيات الثورات وأبعادها، وآثارها الاستراتيجية، ومن ضمنها وصْف أشكنازي لما يجري في الدول العربية بأنه «كل لا يتجزأ»، ويعزز «من حالة انعدام اليقين لدينا».
أما الرئيس السابق للجنة الخارجية والأمن، تساحي هنغبي، فقد أعرب، في وداع أشكنازي، عن تخوّفه من تداعيات الثورات العربية بالقول إن «الجمهور في إسرائيل قلق جداً من الهزة التي يشهدها الشرق الأوسط، ومن المهم أن نعلم أن لا شيء تغيّر في توازن القدرات في المؤسسة الأمنية والجيش الإسرائيلي، وهذا الأمر بفضل غابي (أشكنازي)، وبفضل السنوات التي خصّصها لصيانة الجيش وتدريبه».
في الإطار نفسه، نقلت صحيفة «هآرتس» عن نائب رئيس الأركان يائير نافيه، وهو الضابط المتديّن الذي يحمل أرفع رتبة عسكرية في الجيش، تأكيده أنّ «الأحداث الجارية في هذه الأيام في الدول العربية هي قضاء السماء، ولا تجري بواسطة أيدٍ موجَّهة»، معترفاً بأن أحداً لم يتنبّأ بحصول هذه العاصفة «لا المنجّمون ولا الزعماء ولا رجال الاستخبارات، وهم جيدون جداً، لكنهم لم يتوقعوا ذلك». وفيما شدد نافيه على أن إسرائيل هي «جزيرة صغيرة من الهدوء وسط شرق أوسط مضطرب من حولنا»، عاد ليحذّر من أنه «لا يزال من الصعب علينا فهم وتغيير منظورنا»، آملاً أن يقود كل ما يحدث الآن «إلى بشائر إيجابية، رغم أنه للأسف الشديد تصعد إلى الحكم في الشرق الأوسط في نهاية المطاف جهات دينية متطرفة وسلبية».
وفي موقف يعكس خلفيته الدينية، رأى نافيه أنّ «الجيش الإسرائيلي هو جيش يهودي ومؤمن، وهو يحتاج إلى الكثير من الدبابات والطائرات، وإلى الكثير الكثير من الإيمان بقوة بقيمه، وبالجالس في السماوات».