بين سيلفيو برلوسكوني ومعمر القذافي، حكاية صداقة وتقبيل وغزل وأموال ونفط وأحاديث لطيفة؛ كيف لا، وهما شخصيتان سياسيتان غريبتان. يثيران دوماً ضجة ساخرة بسبب أحاديثهما ومغامراتهما. تصرفاتهما تدفع الجمهور إلى الذهول؛ برلوسكوني بنسائه ومغامراته التي لا تنتهي، وتعليقاته السطحية و«العنصرية» أحياناً؛ والقذافي بخيمته المتنقلة وخطاباته الرنانة؛ وكأنّ الجماهير أمام عرض مسرحي تهريجي. ربما هي تلك الغرابة والفضائحية المشتركة، التي دفعت الزعيمين إلى التعارف، وأدت إلى توثيق العلاقة بين المُستعمِر والمستعمَر السابقين.
الحميمية التي طبعت العلاقات الليبية الإيطالية، استفادت منها روما عبر العقود النفطية الليبية، التي ساعدتها كثيراً في ظل الأزمة الاقتصادية. إذ إن ليبيا مورد رئيسي للنفط إلى إيطاليا. وقدم صندوق الثروة السيادية الليبي البالغ حجمه 65 مليار دولار دعماً للشركات الإيطالية، وكان موضع ترحاب من خلال شراء حصص فيها أثناء فترة الكساد. ووقع برلوسكوني معاهدة صداقة مع ليبيا عام 2008 تتضمن اتفاق تعويضات بقيمة خمسة مليارات دولار عن الانتهاكات التي وقعت خلال فترة الاستعمار.
وقد سعى القذافي إلى تعميق الصداقة مع إيطاليا وبرلوسكوني من خلال زيارة روما في 29 آب الماضي للمرة الرابعة خلال عام، احتفالاً بالذكرى الثانية لتوقيع معاهدة الصداقة، مصطحباً خيمته و30 حصاناً جلبها معه للمشاركة في عرضٍ للفروسية. برلوسكوني لم يكترث للانتقادات، كان مشدوهاً بزيّ صديقه. لقد أعرب عن إعجابه بـ«أناقته الاستثنائية».
لم تكن ليبيا عوناً لإيطاليا فقط، لقد أدرك برلوسكوني ما بين يديه، فأراد أن يستفيد لشخصه. حين تراجع أداء نادي «ايه سي ميلان» لكرة القدم، وجد برلوسكوني ضالته في صديقه. وذكرت صحيفة «لاريبوبليكا» أنه يود بيع النادي خاصته إلى الزعيم الليبي. وطلب معرفة مدى استعداد كل من البنك المركزي والمصرف الليبي الخارجي ومديرية شؤون الاستثمار في ليبيا لذلك. الحادثة الأكثر غرابة بين الرجلين الغريبين، وقعت حين قبّل برلوسكوني يد الزعيم الليبي. لكن الإيطاليين لم يتقبلوا الأمر. قال أحدهم: «كنت أظن أنني رأيت أبشع الأمور، لكنني أخطأت على ما يبدو».
ومع جرائم الزعيم الليبي حالياً، انهالت الانتقادات على برلوسكوني من كل حدبٍ وصوب، ولا سيما من معارضيه، لأنه امتنع عن إدانة العنف في ليبيا؛ فهو لا يريد إزعاج صديقه.
وعندما سُئل عما إذا كان قد اتصل بالقذافي منذ بدء الاحتجاجات، ردّ برلوسكوني: «لا. لم أتصل به. الموقف لا يزال محتدماً. لذا لن أسمح لنفسي بإزعاج أحد».
«لا تزعجوا الجزار»، هكذا عنونت صحيفة «أفينير» المؤثرة التابعة للأساقفة الكاثوليك في روما، في انتقاد مباشر لموقف الحكومة الإيطالية من حمام الدم الجاري في ليبيا.
(الأخبار)