لا تكتمل صورة الزعيم الليبي معمّر القذافي إلّا من خلال حارساته. نساء تدربن على فن القتال، يحملن السلاح، ويرافقنه أينما حلّ لتأمين حمايته. هكذا أراد إضفاء بعض من الأنوثة على وحشيته. ويبدو أنّ الزعيم الليبي صدّق مقولة أنّ وراء كل رجل عظيم امرأة، فأحاط نفسه بمجموعة من النساء. هنّ لسن زوجاته، بل حارساته. بمعنى آخر، هن حياته. خلال إحدى المقابلات الصحافية لابنة الزعيم الليبي معمر القذافي، عائشة، سُئلت عن ظاهرة «حارسات القذافي» وسبب اختيار والدها لحرسه من النساء، فعزت السبب إلى «ثقته بالمرأة الليبية. فوجود الحارسات خلف والدي يهدف إلى إبراز أهمية المرأة». حتى إنها تحدثت عن ثقتها بهن وبقدرتهن على حمايته.علاقة عائشة القذافي بالحارسات تبدو مميزة، وخصوصاً أنّ والدها قرر تغيير أسماء الحارسات، ليحوّلهن إلى مجموعة «عائشات». فأطلق عليهن جميعاً اسم عائشة، على أن يميز بينهن بالأرقام. هكذا تحوّلن إلى «عائشة 1، عائشة 2، عائشة 3... إلخ».
ويُخطئ من يظن أن حارسات القذافي مجرد صورة، بل هن يتميزن بكونهن «قاتلات محترفات، يتخرجن من كلية خاصة، وتشترط فيهن العذرية». ويُقال إن الزعيم الليبي يحيط نفسه بنساء يختارهن اختياراً خاصاً. حارسات شخصيات. كلهن أقسمن على تقديم حياتهن في سبيله. فهن لا يتركنه أبداً. يحاوطنه ليلاً ونهاراً.
وتقول إحدى الروايات إنه عندما ينام القذافي، تبقى حارساته مستيقظات. يثق الزعيم الليبي بهن. عددهن يراوح بين 300 و400. وسبب تشديده على أن يكنّ عذارى يعود إلى الاعتقاد السائد في العصور القديمة، بأنّ أفضل الحراس كانوا إمّا نساءً عذارى أو مثليات الجنس، لقدرتهن على استشعار الخطر.
يرى القذافي أنّ النساء أكثر أهلاً للثقة من الرجال، وأنهن لن يقبلن الرشوة أو يخُنَّه. رأي لاقى رواجاً لدى عدد من رؤساء العالم الذين أدخلوا العنصر النسائي إلى طاقم حرسهم. ثقة القذافي بحارساته لا تغيّر آراءه بالضرورة. هو يرى أن مكان المرأة الطبيعي هو البيت، وقد ضمّن رأيه هذا في «الكتاب الأخضر». فتجاوز نفسه وأفكاره حين أصر على اختيار النساء فقط ليكنّ حارساته. ويبدو فهم هذه المعادلة صعباً بعض الشيء، وخصوصاً أنه قرر وضعهن في مهمة حماية زعيم البلاد. صحيح أنّ الصورة قد تُظهر أنّ هؤلاء النساء يتحكّمن في القذافي، إلا أن هذه ليست الحقيقة. فالقذافي أراد أن يستعيد زمن الجواري بصورة أكثر حداثة.
هؤلاء النساء يجسّدن صورة المرأة المسلمة والمعاصرة. لا إملاءات تجبرهن على وضع الحجاب. لا وجود لقوانين تمنعهن مثلاً من وضع أحمر الشفاه أو طلاء الأظافر. أمورٌ تركّز عليها الصحافة الغربية في تناولها للحارسات، مسلطة الضوء على صورة أكثر حداثة ومنفتحة يقدمها القذافي عن الإسلام، لكنّ الغوص في حياة الحارسات قد يكون صعباً. دوافعهن إلى الانتماء إلى الدائرة الضيقة للقذافي تبدو مبهمة. ولم يُسمع عن فرار أيّ منهن حتى اليوم. ولا يعرف إن كن يتقاعدن أم يستطعن مثلاً تقديم استقالتهن أو ما شابه.
علاقة القذافي بالنساء لا تقتصر على حارساته. فقد سمحت له علاقته المميزة برئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلوسكوني، بالتقرب أيضاً من النساء الإيطاليات، من خلال «الدعوة»، فخلال زيارته إيطاليا في 29 آب الماضي، تحدث أمام مئات الفتيات عن ضرورة أسلمة أوروبا. وهذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها القذافي فتيات إيطاليات ليخبرهن عن الإسلام، ويهديهن نسخاً عن القرآن وكتابه الأخضر. وهو يسعى دائماً إلى المقارنة بين ليبيا وأوروبا، إذ قال مثلاً إن «ليبيا تحترم النساء أكثر مما تفعل الدول الغربية».