صنعاء| كل شيء كان هادئاً في جبهة المعتصمين الشباب في جامعة صنعاء الجديدة، يوم أول من أمس، بعد صباح تميز بسيطرة المعتصمين على مداخل منطقتهم لمنع تسلل أي من العناصر الموالية للحزب الحاكم، وهو ما مكّنهم من ضبط عدد منهم وهم يحملون أسلحة خفيفة حاولوا إدخالها إلى وسط ساحة المعتصمين، وجرى تسليمهم إلى رجال الأمن القريبين من ساحة الاعتصام، بعد توثيق اعترافات لهم بالصوت والصور.
لكن مؤشراً خطيراً حدث بعد منتصف الليل، مع بدء انسحاب رجال الأمن من المداخل المؤدية الى ساحة الاعتصام واحتلالها من قبل عناصر مؤيدين للرئيس صالح وللحزب الحاكم، رافعين صوره. أولئك العناصر حاولوا، قبل انسحاب رجال الأمن، نصب خيمة إلى جوار خيم الشباب المعتصمين، إلا أنه جرى منعهم. انسحاب رجال الأمن كان، مثل المرات السابقة، دلالة على قدوم هجوم وشيك للبلطجية، وهو ما حصل فعلاً بعد نصف ساعة تقريباً، حين وصلت شاحنات تحمل على متنها عناصر مسلحين يرتدون زياً مدنياً ويحملون الهراوات والعصي الكهربائية وخناجر، إضافة إلى عدد من بنادق الكلاشنيكوف. وبحسب شهود عيان، كانت واحدة من تلك الشاحنات ترفع صورة ضخمة للرئيس صالح. ونجم عن الهجوم سقوط قتيلين ونحو خمسة وعشرين جريحاً، توزعت إصاباتهم ما بين إصابات في الرأس جراء قذفهم بالحجارة وطعنات بالسلاح الأبيض. وما زاد من خطورة الإصابات محاصرة عناصر أمنيين مداخل الساحة واختطافهم بعض الشباب الذين حاولوا الوصول إلى الصيدليات المجاورة لشراء أدوات إسعافية، بعد نفاد ما لديهم من عناصر الإسعافات الأولية.
وتعرض الشاب مروان عبد الخبير الصبري للاختطاف من قبل عناصر أمنيين يرتدون زياً مدنياً بينما كان بداخل إحدى الصيدليات لشراء أدوية للجرحى، حيث أخرج من الصيدلية واعتدي عليه وسلّم إلى خمسة جنود تابعين لقوات النجدة تبادلوا الاعتداء عليه، قبل أن يسلّم إلى إحدى نقاط الشرطة القريبة من حي الجامعة. كما حدث تطور لاحق على مستوى التردي الأخلاقي والواضح لتواطؤ رسمي مع وقائع الاعتداءات التي يتعرض لها الشباب المعتصمون، وتمثلت في رفض المستشفيات الحكومية استقبال المصابين. وبحسب بيان لـ«هيومن رايتس ووتش» فإن «مستشفى الكويت، وهو مؤسسة حكومية، رفض استقبال 4 مصابين. اضطروا إلى الانتقال إلى منشأة طبية أخرى».
وجاء في البيان، الذي صدر أمس، أن الشرطة سمحت لجماعات مسلحة موالية للحكومة بمهاجمة متظاهرين سلميين. وقالت إن «عناصر الشرطة وقفوا جانباً وتركوا الآخرين يؤدون عملهم القذر نيابة عنها، يجب أن تُحاسب»، مؤكدة أن «وعود الرئيس صالح بوقف العنف لا تعني شيئاً طالما أن المتظاهرين السلميين تحت الهجوم».
ويأتي هذا الاعتداء الجديد في وقت تمضي فيه حركة الاعتصام الشبابية باتجاه أسبوعها الثاني، وسط خذلان سياسي من أحزاب «اللقاء المشترك»، التي حاولت في اليومين الأخيرين اللحاق بركب الشارع الشاب، الذي ظهر أنه يفلت من بين أيديها، وذلك بإعلانها رفض الحوار مع الحزب الحاكم بعدما «سالت الدماء وسقط الضحايا، وبعدما أنزلت السلطة مأجوريها وبلاطجتها إلى الشوارع». لكن الرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك، محمد عبد الملك المتوكل، قال إنه كان هناك من أجبرهم على التأخر في اللحاق والمشاركة بالثورة الشبابية. وأضاف، في تصريح إلى موقع «نيوز يمن» الإخباري، إن «الشباب طلبوا من قيادة المشترك واللجنة التحضيرية عدم المشاركة حتى لا تُسرق منهم الثورة».
ادعاء علّق عليه أحد الشباب المشاركين في اللجنة المنظمة لحركة الشباب الاحتجاجية بجامعة صنعاء، مفضلاً عدم ذكر اسمه، قائلاً إن «هذا الكلام غير صحيح». وأكد «لقد كنا ننتظر مشاركتهم ودعمهم لنا منذ اليوم الأول، لكنهم خضعوا لحسابات السياسة»، مشيراً الى أنهم لا يمنعون أحداً من المشاركة وإلى أنه ليس هناك ما نخاف على سرقته منا»، بحسب قوله.
وعلى مستوى ردود الأفعال المتوالية على حوادث الاعتداء التي يتعرض لها الشباب المعتصمون، ارتفع عدد الاستقالات في جانب أعضاء مجلس النواب التابعين لكتلة الحزب الحاكم من عضويته ليصل إلى تسعة أعضاء. فبعد استقالة النائبين عبد الكريم الأسلمي وعبد الباري دغيش، تقدم سبعة أعضاء من المؤتمر الشعبي العام باستقالاتهم وذلك بسبب العنف المفرط الذي تستخدمه السلطة في محاولاتها لإيقاف حركة الاحتجاجات السلمية القائمة في البلد.
وقال النائب عبد العزيز جباري، وهو أحد السبعة المستقيلين، إنهم تقدموا باستقالتهم كمحاولة للتنبيه من حوادث العنف المرتكبة ضد المدنيين. وقال في اتصال مع «الأخبار» إنهم «سيسعون إلى تكوين كتلة مستقلة بداخل مجلس النواب»، مرحّباً «ببقية الأعضاء الراغبين في الانضمام إلينا».
وفي وقت لاحق من يوم أمس، تقدم النائب محمد عبد الإله القاضي باستقالته أيضاً من عضويته في الحزب الحاكم، وهو أحد أقارب الرئيس صالح من الدرجة الثانية، ونجل أحد القادة العسكريين الهامين وممثل المؤتمر عن واحدة من أهم وأكبر الدوائر الانتخابية في العاصمة، كذلك يعدّ أحد الوجوه الجديدة التي صعدت إلى الواجهة السياسية في اليمن. وتقدم هذه الاستقالة الجديدة مؤشرات على وجود انشقاق في صف الأسرة «الجمهورية» الحاكمة، وظهور تيار شاب يرفض الطريقة التي تدار بها الأزمة الحالية التي تعصف بالبلد، وأن بوابة الاستقالات ستبقى مفتوحة. وبحسب الكاتب علي الضبيبي، المتخصص في الشؤون البرلمانية، فإن ما يحدث من استقالات يبدو أنه سيصل إلى الرقم خمسين. وقال لـ«الأخبار» إنه هذا «سوف يدفع بالرئيس خلال الأيام القليلة المقبلة إلى إعلان حل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات، وذلك في خطوة استباقية لتدارك معضلة كبيرة قد تحلّ بحزبه الحاكم».