القاهرة | إنها «جمعة التطهير»، هكذا عاد من جديد زخم الثورة الى ميدان التحرر، بمزاج سياسي غالب على الحس الاحتفالي، وبمليونية ذكّرت بأيام ما قبل التنحي، وأرسلت الى الجميع، بمن فيهم المجلس العسكري الحاكم وفلول نظام مبارك وقادة «الثورة المضادة»، رسالة ملخّصها: «الثورة مستمرة إلى أن تزول دولة الفساد والاستبداد بجذورها من الحكومة ومؤسسات الإعلام والأمن والقضاء».شعارات التطهير ركّزت على إقالة حكومة أحمد شفيق، «تلميذ مبارك»، كما وصفته الهتافات والخطب السياسية المطالبة بإقالته ومعه ممدوح مرعي وزير العدل المشرف على تزوير انتخابات الرئاسة في ٢٠٠٥، وانتخابات البرلمان ٢٠١٠، إضافةً الى وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، وبوق مبارك في الخارج.
ورغم أن حكومة شفيق، في أول بيان لها أول من أمس، اعتذرت إلى الشعب المصري عن الأخطاء المتراكمة التي ارتُكبت في حقه طوال السنوات الماضية، ووصفت الأخطاء، بأنها ترتفع أحياناً إلى مرتبة الخطايا، ولا يتحمّلها الوزراء الحاليون، فإنّ مئات من المشاركين في المليونية تسلّلوا في غفلة من الشرطة العسكرية ووصلوا الى مقر مجلس الوزراء في شارع القصر العيني، وأعلنوا اعتصاماً مفتوحاً لحين رحيل حكومة أحمد شفيق، لتكون بداية حقيقية لتصفية بقايا نظام مبارك الذي تورط في الفساد طيلة ٣٠ سنة كاملة.
المتسربون حوصروا بقوات عسكرية، ومُنعت عنهم الإمدادات البشرية المليونية، ورغم الطوق العسكري واصل المعتصمون حصارهم لمقر المجلس ورفعوا هتافات «ثورة ثورة حتى النصر»، كما استمرت محاولات كسر الطوق العسكري حتى ساعات متأخّرة من الليل.
وكانت مليونية التطهير ترسل الى الجنود السريين في الثورة المضادة رسالة، تردّ بها على شحن الفتنة الطائفية، وتشابكت أيدي رجال الدين من المسلمين والمسيحيّين وسط هتافات هادرة «مسلم مسيحي إيد واحدة».
المجلس العسكري رغم إصداره بياناً ينكر فيه وجود «الثورة المضادة»، أرسل الى ميدان التحرير مندوبين من أعضاء المجلس لسماع مطالب الثوار، وبعد الحديث مع المتظاهرين أشار أعضاء اللجنة العسكرية الى أن الجيش مهمته في الستة أشهر تنفيذ مطالب الشعب، ورد المتظاهرون أن الشعب يريد أولاً إسقاط الحكومة ومحاكمة مبارك وبقية الرؤوس من عصابة حكمه، ومحاسبة الحزب الوطني على إفساد الحياة السياسية، وتفكيك جهاز أمن الدولة ومحاسبة المجرمين الذين قتلوا وروّعوا الشعب قبل وأثناء ثورة ٢٥ يناير، كما طالب المتظاهرون بإقالة وزير الداخلية الذي يحمي مجرمي الشرطة بتصريحات عن تورط أجانب في قتل المتظاهرين. وتأتي التظاهرات بعد ارتفاع معدلات الاحتقان من جديد بين الشعب والشرطة في أعقاب حادثة إطلاق نار من ضابط شرطة على سائق ميكروباص وتسرب فيديو يهدد فيه مدير أمن البحيرة بالانتقام من المتظاهرين، وكما قال بالنص «نحن أسيادهم .. ومن يمد ايده على سيده.. تنقطع ايده».
وبينما تناثرت أخبار عن سفر مبارك الى تبوك بالسعودية للعلاج ومنها الى العاصمة النمساوية فيينا، كانت الرقابة الإدارية تحصر ممتلكات زكريا عزمي رئيس ديوان مبارك، وحافظ سره وأخطر رجاله الأوفياء، وذلك بناءً على إخطار من جهاز الكسب غير المشروع لتتبّع أملاكه هو وأسرته وأقاربه حتى الدرجة الرابعة في مدن الغردقة وسفاجة ومرسى علم من أراضٍ ومبانٍ ومشروعات.
يأتي هذا بعد التحفّظ على مكاتب عزمي في قصري العروبة وعابدين، عقب اكتشاف قيامه بفرم أوراق تخص الرئاسة والرئيس منذ اليوم التالي لتخلي مبارك عن سلطاته.
عزمي أحد الديناصورات الثقيلة التي يطالب الثوار بتصفيتها أو محاكمتها، باعتباره إحدى الأيادي السوداء في إفساد الحياة السياسية، وحماية الفاسدين، وفي مقدمتهم مالك عبّارة السلام الشهيرة، التي غرقت قبل عدة سنوات، وراح ضحيتها أكثر من ١٣٠٠ ضحية.
وبعدما انضم أنس الفقي وزير الإعلام الى «عنبر الوزراء» في سجن طرّة، كشفت مصادر في النيابة عن إعادة من سمي في الثورة «صحّاف القاهرة» لـ2000 جنيه ذهب حصل عليها من الدكتور يوسف بطرس غالي، وزير المالية السابق، لتوصيلها إلى سوزان مبارك، زوجة الرئيس المخلوع، لتوزيعها على الفائزين في مسابقة مهرجان القراءة للجميع. الفقي لم يسلمها للهانم (كما كانت تسمّى زوجة مبارك في أوساط حاشيته)، ولم يعِدها إلى خزانة الدولة، وفسر الفقي ذلك للنيابة بأنه «لم يجد وقتاً لردها».
النيابة استعادت الجنيهات الذهبية وواصلت التحقيق مع الوزير المسؤول عن إهدار ١٢ مليار جنيه من المال العام، إضافةً الى تهم أخرى لم يفتح بشأنها التحقيق بعد تورطه بالتحريض على المتظاهرين من خلال إدارته معركة دعاية سوداء لمصلحة مبارك ضد الثورة.