المنامة ــ الأخبارلا يزال ميدان اللؤلؤة يحتضن المحتجّين. لا يمضي يوم دون جديد؛ تموج المملكة بالمفاوضات والاتصالات وزيارات الموفدين، من دون أن تؤثر على حركة الانتفاضة، التي وصفها الصحافي روبرت فيسك بأنها «غاية في السلميّة». وخلف هذه السلميّة يسكن إصرار شعبي لا مثيل له للانتقال الى صف الدول الديموقراطيّة الحرّة.
كل أحد، يجري اعتصام أمام مقرّ مجلس الوزراء. ويوم غدٍ الجمعة سيكون موعد آخر مع مسيرة يتوعّد المنظمون أنّها ستكون عملاقة، هدفها الإعلان عن سقوط دستور ٢٠٠٢ بنظر المنظّمين.
وداخل الميدان، وبين مئات الخيم المنصوبة، ينقسم المعتصمون إلى خمس مجموعات: شباب «١٤ فبراير»، و «أحرار ١٤ فبراير»، و «دعم ١٤ فبراير»، و «شهداء ١٤ فبراير»، وشباب «ميدان الشهداء».
هذه المجموعات تعبر عن مختلف الأطياف السياسية، تجمع اليساريين والإسلاميين، الشيعة والسنة. وتُعقد اجتماعات يومية لوضع البرنامج اليومي لمنصة الميدان، التي تستضيف كل ليلة فعاليات خطابية، وفقرات غنائية، وحوارات غنية.
وتنسق الفئات الاجتماعية والمهنيّة مع شباب الانتفاضة حضورها وإعلان تضامنها، المحامون، المهندسون، الأطباء، الإعلاميون، المثقفون والعمال. كل يوم تسير تظاهرة نوعية يعلن المتضامنون فيها انخراطهم في الحركة الاحتجاجية التي لم تتبيّن بعد نقطة نهايتها.
يتحدث محمد لـ«الأخبار» عن يوميات ميدان اللؤلؤة. يروي لقاء مجموعة من المعتصمين بوفد من الطبقة التجارية: «كانوا ١٨ ممثلاً لغرفة صناعة وتجارة البحرين. كانوا قلقين، تحدثنا معهم فصُعقوا». لماذا؟ يردّ محمد: «فوجئوا بأننا شباب جامعي تحدثنا عن الفساد بالأرقام، وعن غياب التنافسية، وعن تردّي الوضع وعدم المساواة».
بقرب الجسر على يمين الميدان، تقع خيمة جمعية «وعد»، ذات التوجه اليساري. يلحظ الزائر بوضوح التنوع بينهم، فتيات وشبان، رجال ونساء، سنّة وشيعة. يتحاورون ويؤكدون للإعلاميين الزائرين أن هذه الانتفاضة لا تطمح إلا الى دولة مدنية. تقول نور إنها لم تكن لتقف لحظة في الميدان لو شعرت بأن أهداف هذه الانتفاضة ذات توجه ديني.
على بعد أمتار قليلة من مخيم «وعد»، يقع مركز إعلامي أقامه المعتصمون. عشرات المصوّرين المتطوعين، وصحافيون متطوعون يكتبون بيانات الانتفاضة؛ أجهزة الحاسب الآلي متوافرة. وتقنية الـ«واي فاي» وفرت الاتصال بخدمة الإنترنت. وفي موقع آخر، تأتي الإمدادات الغذائية طوال اليوم.
في الحوارات تلحظ تشكّك بعض المعتصمين في إمكان إحداث الجمعيات السياسية السبع اختراقاً في اتصالاتها مع السلطة. يقول سامي «الجمعيات السبع بعثت برؤى الى وليّ العهد الذي يريد الحوار، طلبوا منه إقالة الحكومة، وإلغاء الدستور، والإقرار بمبدأ الملكية الدستورية، لكنه لم يردّ عليها، يريد حواراً بلا ضمانات ولا شروط». قبل أن يضيف «لن يخدعونا هذه المرة كما فعلوا في ٢٠٠٢ حينما وافقنا على ميثاق العمل الوطني».
لكن شذى، وهي ناشطة إسلامية، تؤكد ثقتها بالجمعيات السبع، وتضيف «أسفت لعدم اتفاق الجمعيات على سقف مطلبي موحد مع حركة «حق»، لكني لا أزال واثقة بأننا سننتصر».
يحل المساء، تنتهي مسيرة نسائية ضخمة أتت من ناحية المرفأ المالي. يحين وقت الأذان، يرفع المعتصمون أذانين. الأول يخصّ المسلمين السنّة، والثاني يخصّ المسلمين الشيعة، لتبدأ الصلاة المشتركة، يبتسم اليساريون، وتهمس إحداهنّ «ألم أقل لك إن الثورة ليست طائفيّة».