نيويورك| ما يجري في البحرين من تظاهرات وتضافر خليجي لوأد التحرك الشعبي في مهده، يعدُّه موقع «ستراتفور» الاستخباري الأميركي أخطر بكثير من الوضع الليبي الملتهب. ويرى المحلل الاستراتيجي في الموقع، جورج فريدمان، أن لحظة تاريخية تتكوّن في الخليج وستعيد خلط الأوراق بأكملها مع اقتراب سحب الولايات المتحدة آخر قواتها (نحو 50 ألفاً) من العراق في نهاية العام.
ويشكك في قدرة الولايات المتحدة على التحكم بالعراق حتى مع بقاء القوات فيها، لأن النفوذ الإيراني هناك أقوى بكثير من أي نفوذ آخر، و«انسحاب الولايات المتحدة يشرّع الساحة أمام إيران لكي تحقق أهدافها، بتغيير جوهري لدينامية المنطقة». وحدد استراتيجية إيران بأن «تصبح القوة المهيمنة» على منطقة الخليج بالكامل.
وقال إن القواعد الأميركية الموجودة في الكويت وقطر لا تكفي لإحداث توازن مع قوّة إيران «حتى من دون سلاح نووي». ورأى أن المسألة النووية كانت ترمي إلى التعمية عن القضية الأشمل، وهي اختلال التوازن الإقليمي لمصلحة إيران. ورغم أن الولايات المتحدة قادرة على تعزيز قوتها في الخليج عند الحاجة، فإن ذلك قد يستغرق أشهراً عدّة.
وشكّك فريدمان في قدرة القوّات الراهنة على وقف أي هجوم إيراني، رغم أنّ إيران ليست مضطرة لشنّ أي هجوم بفضل نفوذها الداخلي في العديد من الدول. وحذّر من مخاطر الانسحاب الأميركي الذي سيترك انطباعاً لدى الدول العربية بأن الولايات المتحدة لم تعد تلك القوة التي يعتدّ بها. أمر يُلزم هذه الحكومات بالتفاهم مع القوة الإيرانية القائمة، على الرغم من ضعفها في سلاح الجوّ.
وبالنسبة الى البحرين، يقول فريدمان إنها تأتي كأول اختبار لعرض القوّة في الخليج. فهي بمثابة ميناء سعودي آخر ومركز مالي للسعوديين. وهي أيضاً مقرّ الأسطول الخامس الأميركي، وحكومتها على علاقة وثيقة بالولايات المتحدة. وعليه، فإن إسقاط حكومة البحرين على أيدي الغالبية السكانية الشيعية، يهدّد بتشجيع الشيعة في السعودية على المطالبة بحقوقهم المدنية والسياسية.
وينبّه فريدمان إلى أنّه «إذا تدخّل السعوديون في البحرين فإنهم يمنحون إيران ذريعة التدخل فيها سواء بطريقة مبطّنة أو مكشوفة». وعندها توقع أن تقف الولايات المتحدة، التي تحتفظ بـ 1500 من قواتها ودبلوماسييها في البحرين، أمام خيار من اثنين: زيادة حجم القوة أو الانسحاب من الجزيرة.
كذلك لم يستبعد أن تستغل حكومة البحرين التظاهرات من أجل تعزيز بقائها «أسوة بما فعل العسكر المصري باستغلاله انتفاضة مصر»، لافتاً إلى أن جميع الثورات معقّدة للغاية، وأن المخاطر في الحالة البحرينية «عالية جداً». وفي مقارنة بين الوضع الليبي والوضع البحريني، رأى أن النتائج في الحالة الليبية تبقى داخلية. أما في الحالة البحرينية فهي تنطوي على مصالح سعودية وإيرانية، فضلاً عن المصالح الأميركية. والإيرانيون حسب رأيه، لن يفوّتوا هذه الفرصة لاختراق المنطقة من البحرين، مستفيدين أيضاً من السخط الشعبي القائم في منطقة غير سنّية أخرى هي سلطنة عُمان.
ورأى أن إيران ستكون المستفيد الأول من أي زعزعة للاستقرار في السعودية المحاطة باضطرابات عدّة، جميعها تؤثر على كيانها. وهذه تشمل التغييرات من مصر، مروراً بالأردن واليمن والعراق وفي معظم بلدان الخليج. وأشار تحديداً إلى الخطر من الجبهة الجنوبية، حيث الطائفة الإسماعيلية السعودية تشكو من ظلم مزمن. أما في الشمال، فإن العراق يتجه أكثر فأكثر إلى تغليب النفوذ الإيراني، ما يوجد وضعاً إقليمياً جديداً مطلّاً على الخليج. لذا، لم يفاجأ المحلل من التحرّك السعودي المندفع لمواجهة الأوضاع في البحرين، إضافة الى قمعها الشيعة السعوديين، قائلاً «من الواضح أن السعوديين مضطربون إلى أقصى الحدود». ورأى المحلل أن أي تغيير في النظام السعودي سيكون في مصلحة إيران. لأن النفوذ السعودي بين السنّة العراقيين معرقل للدور الإيراني. لكن إذا تحوّل الانتباه السعودي إلى الداخل، فهناك احتمال بأن ينمو الدور التركي لدى السنّة العراقيين، «لكن تركيا ليست حريصة على ذلك» كما يعتقد. والاحتمال الثاني هو أن تعيد الولايات المتحدة حساباتها خشية سقوط الأنظمة الحليفة، «لكن ليس لديها شهيّة سياسيّة لذلك»، والخيار الأخير أن تتقبل أميركا توازن القوى الإقليمي الجديد.