إسطنبول ــ الأخبار رغم الغليان الذي أعقب عملية إسقاط الطائرة الروسية قرب الحدود السورية ــ التركية، بدت التصريحات الأميركية المواكبة أقرب إلى محاولة البناء على الحادثة الحسّاسة، لربط النزاع السوري أو على الأقل للعبور إلى مرحلةٍ جديدة على صعيد التواصل الأميركي ــ الروسي في شأن الأزمة السورية. ويمكن إدراج كلام الرئيس الأميركي باراك أوباما في هذا الإطار، حيث أكد يوم أمس أن حادثة إسقاط الطائرة تُبرز «أهمية التحرك في المسار السياسي في أسرع وقت ممكن» لحلّ الأزمة السورية.

ورغم ذلك، مثلت حادثة أمس منطلقاً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لاستعادة حلمه القديم في إنشاء منطقة حظر جوّي في المناطق الحدودية، حيث أعلن أمس أن تركيا ستُنشئ قريباً بالتعاون مع حلفائها «منطقة إنسانية آمنة» بين جرابلس وشاطئ المتوسط. وفي شأن التركمان، قال أردوغان في خطاب ألقاه في قصره في أنقرة، إن الهجمات (الروسية) هدفها إبقاء نظام الأسد، مؤكداً مواصلة دعم التركمان في المناطق الحدودية.
وفي ما بدا أنه ضوء أخضر أميركي معطى سلفاً لأنقرة لتحدّي موسكو عسكرياً، شدّد أوباما على «حقّ تركيا في الدفاع عن أرضها ومجالها الجوّي»، لكنّه أشار في الوقت نفسه إلى الحاجة لضمان التواصل الروسي التركي لاتخاذ تدابير للحدّ من أي تصعيد. وفي مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند، قال الرئيس الاميركي إنه في حال ركزت روسيا، عوضاً عن عملياتها ضد «المعارضة المعتدلة»، على ضرب «داعش»، لانخفض احتمال حدوث «بعض تلك الصراعات أو إمكانيات التصعيد».
شجّع الأطلسي
على إجراء اتصالات بين أنقرة وموسكو

من جهته، بدا الخطاب الرسمي لحلف «شمالي الاطلسي» أقرب إلى محاولةٍ لتخفيف الاحتقان من الاندفاع باتجاه تصعيد عسكري. وقد أكد أمين عام «الاطلسي»، ينس ستولتنبرغ، أن الدبلوماسية ونزع فتيل التوتر مهمان لمعالجة هذا الوضع»، مشجعاً على إجراء اتصالات بين أنقرة وموسكو، ذلك «لتفادي خروج الوضع عن السيطرة».
على المستوى التركي، وبالتزامن مع الاعلان عن «قرب تأسيس منطقة آمنة»، أكد أردوغان مواصلة دعم التركمان في المناطق الحدودية. وفيما شدد على حق بلاده في حماية حدودها، أشار إلى أن تركيا «بذلت كل ما بوسعها لتفادي هذا الحادث».
وكانت الحكومة التركية قد «هيّأت» الرأي العام التركي لمثل هذه الخطوة العسكرية، منذ أكثر من أسبوع، بعدما «استنفرت» إمكانيات الإعلام الموالي لها للحديث عن «حرب الإبادة» التي يتعرّض لها التركمان في جبل التركمان شمال اللاذقية، في وقتٍ تحدثت فيه أنباء عن إيصال أسلحة متطورة اشترتها السعودية وقطر من أوكرانيا إلى الجماعات المتطرفة عبر الحدود التركية، من بينها أسلحة متطورة ضد الدبابات والطائرات الروسية. وأشارت معلومات إلى وصول تعزيزات للقوات التركية قرب مناطق الاشتباكات بين الجماعات المتطرفة والجيش السوري المسنود بالطائرات الروسية لمواجهة أي مفاجآت هناك.
واعتبر مراقبون توقيت إسقاط الطائرة مؤشراً مقصوداً، لأن الطائرات الروسية سبق أن اقتربت من المنطقة الحدودية أكثر من مرة منذ ٣٠ أيلول الماضي. إلا أن الطائرات التركية لم تستهدفها أبداً، واكتفت بتوجيه العديد من الإنذارات. كذلك سبق لتركيا أن أعلنت بعد إسقاط طائرتها في سوريا في حزيران ٢٠١٢ تدابير من جانب واحد، وأكدت أنها ستسقط أي طائرة حربية سورية إذا اقتربت من الحدود التركية مسافة ٥ كلم. وكان هذا الإجراء يهدف إلى حماية الجماعات المتطرفة الموجودة على الشريط الحدودي.
ويبدو إسقاط الطائرة الروسية أيضاً قد جاء في سياق إفشال المساعي الروسية في إقناع المعارضة السورية للاتفاق على وفد مشترك يشارك في الحوار مع وفد الدولة السورية. فمن المعروف أن أنقرة تريد حصة الأسد في وفد المعارضة ما دامت تسيطر على قيادات «الائتلاف السوري المعارض» التي تقيم في تركيا، حالها حال قيادات الجماعات المتطرفة التي تقاتل في سوريا وتجتمع بين الحين والآخر في اسطنبول وغازي عنتاب وغيرهما من المدن التركية.
من جهة أخرى، يبقى الرهان على قدرة أنقرة على تحمّل تبعات تلك الخطوة على أكثر من صعيد، عسكري وسياسي واقتصادي. فبعد قطع موسكو كل الاتصالات العسكرية مع أنقرة، تتجه الانظار إلى الاتفاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث تستورد تركيا 56% من الغاز الطبيعي من روسيا، كما أنها تستورد النفط ومنتجات أخرى. ويزيد حجم التبادل التجاري بين الدولتين على ٣٥ مليار دولار سنوياً، فيما تنفذ الشركات الروسية ما قيمته ١٥ مليار دولار من المشاريع في روسيا وذلك مقابل ٤ ملايين مواطن روسي يزورون تركيا سنوياً. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد دعا مواطنيه إلى عدم السفر إلى تركيا بعد الآن. وهو ما سيؤدي إلى تضرر القطاع السياحي التركي بصورة كبيرة.