ما إن أرسلت السعودية قوّاتها إلى البحرين تحت عنوان «حفظ الأمن والاستقرار»، حتّى سارعت بعض الصحف الأميركية إلى الحديث عن خلاف أميركي ـ سعودي حقيقي، كان قد وُلد مع الثورة المصرية. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن إرسال السعودية قوات إلى البحرين زاد التوتّر في العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة، بعدما كانت الرياض قد أعربت عن استيائها من موقف واشنطن حيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك. ونقلت عن مسؤول أميركي قوله إن السعوديين «ليسوا في موضع الاستماع» إلى الأميركيين الذين يحثّونهم على إجراء إصلاحات، فيما لم يوضح مسؤولون أميركيون آخرون ما إذا كان اضطرار وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس إلى إلغاء زيارتهما للسعودية في الأيام الأخيرة، عائداً إلى تدهور صحّة الملك عبد الله أو غضبه من الولايات المتحدة. إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما امتنعت عن شجب إرسال القوّات الخليجية إلى البحرين مباشرة. وقال المسؤولون الأميركيون إن «الإدارة الأميركية كانت ترغب في ضمّ السعودية إلى حملة الضغط من أجل إجراء إصلاحات في البحرين من دون إطاحة الحكومة، إلّا أنّ وصول القوّات السعودية يعني أنها تريد ملاحقة المعارضين وعدم ترك أي مجال للانشقاق».
الخلاف بين الرياض وواشنطن كان قد بدأ بعد تخلّي إدارة أوباما عن مبارك، رغم دعوة السعودية إلى الاستمرار في دعمه. وأوضح أحد المسؤولين، بحسب الصحيفة، أنه «منذ ذلك الوقت والرسالة الأميركين للسعوديين واضحة: لا يمكن أن يكون أحد محصّناً، ويتعيّن على السعودية أن تسرع في عملية الإصلاح». وأوضح مسؤول آخر أن الأميركيين «يعوّلون على وزير الداخلية الأمير نايف بسبب تدهور صحة كلّ من الملك ووليّ العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز. ورغم قول البعض إن الأمير نايف محافظ وسيعيد المملكة إلى الوراء، يرى آخرون أن هذه النظرة ناتجة من سوء قراءة، وأنّه قد يكون مصطفّاً إلى جانب مجموعة أمراء من الجيل الجديد يؤيدون الإصلاح».
حديث «نيويورك تايمز» عن «خلاف» أميركي ـــــ سعودي، قابلته مقاربة أكثر حدّة، عبّرت عنها صحيفة «فورين بوليسي»، التي أشارت إلى «توجيه الرياض صفعة إلى وجه واشنطن»، موضحةً أنه بتاريخ 12 آذار الجاري، أي يوم السبت الماضي، «زار وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس البحرين، ودعا إلى إجراء إصلاحات حقيقية للنظام السياسي في البلاد، منتقداً خطوات الإصلاح البطيئة التي عدّها كالحبو، ولا تكفي لنزع فتيل الأزمة». لكن بعد ساعات قليلة من مغادرة غيتس، بدا السعوديون مستائين، ثمّ قرروا إرسال قوّاتهم إلى البحرين، وهو ما جعل الولايات المتحدة تبدو في أحسن الأحول وكأنّ لا علاقة لها بما يجري.
ووصفت الصحيفة التدخّل السعودي بـ«المناورة الرمزية» التي لا تهدف إلى إخماد الاضطرابات، بل تخويف الجماعات الشيعية الأكثر تطرفاً، والسماح للمفاوضات بالمضي قدماً. وأشارت إلى أنّ وليّ العهد الأمير سلمان بن حمد آل خليفة وضع ستّ نقاط على جدول الحوار، منها إنشاء برلمان منتخب، ترسيم الدوائر الانتخابية، مكافحة الفساد المالي والإداري، والحدّ من الاستقطاب الطائفي. إلّا أنّه لم يشر إلى أحد مطالب المعارضة الرئيسية، وهو استقالة رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن عيسى آل خليفة.
وتابعت الصحيفة أن التحرك السعودي «ستكون له نتائج عكسية. فمن غير المرجّح أن يغري وجود القوّات السعودية الشيعة المعتدلين والمعارضين السنة بالمجيء إلى طاولة المفاوضات، بل سيصبح موقفهم أكثر تصلباً خشية أن يُنظر إليهم بوصفهم عملاء للسعودية». وأشارت إلى أن «رئيس الوزراء البحريني، الذي لم يلتقه غيتس خلال زيارته البحرين، لا يبدو أن لديه أي نية للاستقالة، ويبدو أنه هو من دعا السعوديين إلى التدخّل. ورغم أن التفاصيل لا تزال مبهمة، من المرجح أن رئيس الوزراء أراد الانضمام إلى الملك السعودي لتمرير رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أنه لا أحد يستطيع أن يقول له ما يجب القيام به. وأكثر من ذلك، فهو يشير إلى أن السعوديين توافقوا مع المحافظين في البحرين على كبح جماح الشيعة، بدل التفاوض معهم، حتى لو لم يكترثوا للأميركيين».
في هذا الوقت، دعت الولايات المتحدة البحرين إلى إيجاد حلّ سياسي لمشاكلها، قائلة إن استخدام القوة والعنف من أي طرف ليس من شأنه إلا أن يفاقم الوضع في البلاد. وأوضح المتحدث باسم البيت الأبيض، تومي فيتور، أن «هناك شيئاً واضحاً: لا حلّ عسكرياً للمشاكل في البحرين. الحل السياسي ضروري وعلى الأطراف العمل الآن على بدء حوار يتناول احتياجات جميع المواطنين البحرينيين».
(الأخبار، يو بي آي، رويترز)