جنود السلطة البحرينية اختاروا ساعات الصباح الأولى لشنّ هجماتهم على المعتصمين العُزّل. والضربة التي شنّتها القوات البحرينية، بمؤازرة خليجية، كانت متوقعة منذ قدوم قوات درع «الجزيرة» الخليجية، وإعلان «حالة السلامة العامة» (الأحكام العرفية). المجزرة التي شهدها فجر أمس دوار اللؤلؤة وضواحيه، مع سقوط 5 قتلى ومئات الجرحى، كان ينتظرها البحرينيون في ساحتهم ومنازلهم، بعدما قضوا الليل من دون أن يغمض لهم جفن، خائفين من إعادة كرّة الخميس الأسود الذي وقع في بداية الانتفاضة، حين هوجم المعتصمون وهم نيام.
فعلتها القوات «المشتركة»، معزّزة بأسلحة قتالية، بدءاً بالرشاشات، إلى طائرات «أباتشي» الحربية، إضافة إلى لوازم تفريق الاعتصامات من القنابل المسيّلة إلى رصاصات «شوت غان» التي خلّفت القتلى وإصابات بعاهات مستديمة. وكما تجري الأمور في ساحات الحروب ضدّ العدوّ، جرى تمشيط على مدى ساعات الليل في المناطق، وهجمات متفرقة داخل الأحياء لنشر الذعر، فمحاصرة الأهداف من كل الاتجاهات قبل مهاجمتها، وتفريق المعتصمين ثم «تطهير» المنطقة. هذا هو المصطلح الذي استخدمته بيانات قوة الدفاع الرقم 3 و4 لإعلان «تطهير المنطقة من الخارجين عن القانون».
ساعات وأصبحت المنطقة كلها تحت سيطرة الجيش. الدوار والمرفأ المالي والسلمانية. حصار تام للمناطق، وفرض الإقامة الجبرية عبر حظر التجوال. أمام هول الحدث، توالت الاستقالات من الوزراء وأعضاء مجلس الشورى ومجلس العلماء، وسط انقطاع الاتصالات الدولية عن البلاد.
في ظل هذه الأجواء، يُتخوّف من الخطوة التالية لهذه الخطة الأمنية التي كانت قد أشارت إليها عدّة مصادر في فترات «الهدوء» قبل العاصفة، حين تحدّثت عن ضربة أمنية تشمل دخول قوات خليجية وفرض الأحكام العرفية وإقامة خمس مناطق عسكرية، على أن ترافقها حملة اعتقالات واسعة ستشمل رموز المعارضة وقياداتها، وستطال الصف الأول منها، وقد لا تسلم منها أيضاً أكبر جمعية معارضة «الوفاق الوطني الإسلامية».
والسؤال الذي تبادر إلى الأذهان أمام هذه الأحداث هو، أين الملك حمد بن عيسى ووليّ العهد الأمير سلمان؟ حتى اللحظة لم يصدر عنهما أيّ موقف على مستوى الأحداث، بل مواقف مبرّرة لشرعية دخول قوات درع «الجزيرة». ويخشى مراقبون في هذه الحال من أن يكون ما يجري يحصل بأمر ممن غادر البلاد قبل أيام إلى لندن، وزير الديوان خالد بن أحمد آل خليفة، إذ إن العملية برمّتها تنفّذ بقيادة شقيقه قائد قوة الدفاع خليفة بن أحمد، ما أوحى بأن شبه انقلاب قد نفّذه الجناح المتشدّد على الليبرالي المتمثّل في وليّ العهد.
وكان الملك قد جدّد دفاعه عن وجود قوات من درع «الجزيرة» في بلاده، خلال استقباله الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية. وأكد أن وجودها في «إطار التعاون والتنسيق الدفاعي المشترك بين دول المجلس». كذلك التقى العطية رئيس الوزراء خليفة بن سلمان.
وكانت عملية اقتحام اللؤلؤة قد بدأت عند الساعة السادسة وعشر دقائق صباحاً، بدءاً من شارع الملك فيصل إلى الجسر المطل على الدوار. وكانت قد سبقتها عمليات تفريق وبثّ الذعر في المناطق والأجواء، وإقامة حواجز لمنع المواطنين من الوصول إلى الدوار. واستُخدمت الطائرات المروحية المقاتلة «أباتشي»، بحسب الصور التي وصلت إلى «الأخبار»، مع الحملة الممنهجة لفصل البلاد عن العالم الخارجي، إضافة إلى قوات مكافحة الشغب. وأكّدت مصادر حقوقية لـ«الأخبار» مشاركة دبابات وآليات ثقيلة وجنود سعوديين في العملية، التي حملت بعض الآليات المشاركة فيها أعلاماً سعودية.
عقب العملية، حوصر المواطنون في منازلهم بعد تفريقهم. وتحدث مدير جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان، محمد المسقطي، عن الهجوم الصباحي والحصار المفروض على كل الأحياء والمناطق، وخصوصاً الشيعية، وتمترس القوات والدبابات أمام المنازل، وحركة المروحيات التي لا تهدأ، من دون أن يستبعد البدء بحملة الاعتقالات، وقد لا يسلم منها بدوره، بعدما كان قد تعرّض خلال الأسابيع الماضية مع حقوقيين اثنين آخرين لحملة تهديد واسعة، أدانتها المنظمات الحقوقية الدولية.
وفي حصيلة الاعتداء، سقط 5 قتلى، بينهم جنديان، إضافة إلى مئات الجرحى. وبما أنّ المستشفيات والمرافق أصبحت تحت سيطرة الجيش، فقد مُنع دخول الجرحى إليها أو خروج الطواقم الطبية، بحسب ما أفاد مسقطي. ومعالجة الجرحى تجري تطوّعاً داخل المساجد والمنازل، من فرق طبّية متطوّعة.
بعد العملية، أعلنت القيادة العامة لقوة الدفاع بيانها الرقم 3، قالت فيه إن «قوات من الأمن العام والحرس الوطني، بمساندة من قوة دفاع البحرين، بدأت صباح هذا اليوم بعملية تطهير دوار مجلس التعاون والمرفأ المالي ومستشفى السلمانية وما حوله وإخلائه من الخارجين عن القانون، الذين روّعوا المواطنين والمقيمين وأرهبوهم وأساؤوا إلى الاقتصاد الوطني. وقد نُفّذت العملية حسب الخطة الموضوعة لها بكفاءة واحتراف، مع مراعاة السلامة للجميع».
أما وزارة الداخلية، فقالت إن «قوات الأمن العام، بمساندة من قوة دفاع البحرين، توجهت إلى منطقة دوار مجلس التعاون في الوقت المحدد، إذ بدأت بإزالة الحواجز الموجودة في شارع الشيخ خليفة بن سلمان، وإن القوات تقدمت بعدها تجاه الدوار، وأعطت الوقت الكافي للموجودين فيه لإخلائه والانسحاب منه، ثم بدأت بعملية الإخلاء، حيث واجهت عدداً كبيراً من الكمائن التي نصبها الأشخاص المحتلون». وأعلنت مقتل جنديين اثنين «دهساً من المتظاهرين».
وبعد ساعات، أُعلن البيان الرقم 4: «أولاً، يُفرض منع التجوال ابتداءً من اليوم الأربعاء حتى إشعارٍ آخر، ويسري المنع من الساعة الرابعة مساءً لغاية الرابعة صباحاً، وذلك من جسر السيف ممتداً إلى الإشارة الضوئية قبل جسر الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة والمنطقة المحيطة بها من اليمين واليسار، لمسافة 400 متر من الجانبين، وعلى القاطنين في هذه المنطقة التنسيق مع نقاط التفتيش لتسهيل مرورهم بطريقة رسمية. ثانياً، يُمنع التجمهر أو التجمع أو عقد المسيرات أو الاعتصامات. وثالثاً ضرورة التعاون». وبعد ذلك ساد هدوء وصفه متظاهر بأنه هدوء المقابر.
بعدها توالت الاستقالات. وأعلن مستشار مجلس القضاء الأعلى العلامة الشيخ أحمد العصفور الاستقالة من منصبه. ودعا في بيان الاستقالة جميع أفراد قبيلة آل عصفور في المناصب الرسمية إلى التنحّي استنكاراً لاستخدام العنف ضدّ الشعب الأعزل، وللتنديد بالسياسة الإعلامية وخطاب التحريض الطائفي الذي تمارسه وسائل الإعلام الرسمية.
وأعلن وزير الصحة نزار البحارنة الاستقالة، كذلك فعل وزير الإسكان مجيد العلوي، معلناً مقاطعته للحكومة بسبب طريقة التعامل مع الأحداث الجارية في البلاد. وأصدر قضاة المحاكم الشرعية الجعفرية (13 قاضياً) بيان استقالتهم، جاء فيه «نظراً إلى الأوضاع المأساوية التي تمر بها البلاد وما نتج منها من أحداث دامية نتيجة استعمال القوة المفرطة والسلاح في مواجهة المواطنين العزّل، فإننا نعلن استقالتنا من منصب القضاء»،
ليلحق بهم مستشار الملك لشؤون السلطة التشريعية، نائب رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الدكتور محمد علي بن الشيخ منصور الستري، معلناً توقّفه عن العمل في جميع مهماته الرسمية، احتجاجاً على أسلوب التعاطي الأمني في التعامل مع الأزمة السياسية والأمنية والاعتداء على المواطنين وسفك دمائهم.
على المستوى السياسي، ندّد الأمين العام لجمعية «الوفاق»، الشيخ علي سلمان، بالعملية. وقال لقناة «الجزيرة» إن الجيش البحريني «لا يتعاطى مع الشعب كأنه شعبه، بل كأنهم أعداء». ودعا المحتجّين إلى «عدم المواجهة مع قوات الأمن والمحافظة على أرواح الجميع». وأكّد «سلمية الانتفاضة، رغم البلطجية الذين يستخدمهم النظام والذين روّعوا البلاد على مدى الأسبوع الماضي». وقال إنّ «الحل لا يخرج من أفواه الدبابات والبنادق. الحلُّ بين شعب وحكومة يجب أن يأتي بالأطر السلمية».
وفي كلمة عرضها موقع «الوفاق»، وجّه سلمان رسالة إلى الشعب قال فيها إن هذا القمع سيعود على مرتكبيه بالخذلان والخسارة. وشدّد على المطالب المحقّة للشعب «في انتخاب حكومتنا المقبلة، وحقّنا في أن ندير شؤوننا بعيداً عن نظام الوصاية والديكتاتورية». ورأى أن «إجراءات الجيش والقوات المختلفة عبّرت عن نوع من التخلّف ونوع من الحقد غير اللازم، في تعاطيها مع أبناء الشعب». وتابع: «أوصيكم أحبائي، رغم كل هذه القسوة، بأن نتمسك بسلمية الانتفاضة وعدم مواجهة رجال الأمن». وكان رئيس كتلة «الوفاق» البرلمانية المستقيلة عبد الجليل خليل قد وصف الهجوم بأنه «حرب إبادة». أما رئيس جمعية العمل الوطني الديموقراطي «وعد»، إبراهيم شريف، فقد أعلن تعرّض مقرّ الجمعية لهجوم بزجاجتي «مولوتوف».