قبل عامين، كان باب الصراع مفتوحاً داخل الأسرة الحاكمة في صنعاء على مسألة التوريث، بين الأب علي عبد الله صالح والأخ غير الشقيق اللواء علي محسن الأحمر، ونجل الرئيس أحمد علي عبد الله صالح، وابن أخيه يحيى محمد عبد الله صالح.هذه القضيّة، حسب أوساط يمنية وغربية، عادت لتطرح خلال الشهر الجاري بعدما علا في كل مكان هتاف «الشعب يريد إسقاط الرئيس». وهناك من يتحدث عن صراع في داخل دهاليز الحكم وأوساط العائلة الحاكمة بين الحرس القديم والجديد.
الحرس الجديد تمكن في السابق، بمساعدة الأب، من تقليم أظافر عدد من القادة العسكريين الذين رافقوه في حكمه، ومنهم الأخ غير الشقيق اللواء علي محسن الأحمر، الذي احترقت كمية كبيرة من أوراقه بسبب الحرب في صعدة، الأمر الذي سهّل على المتربصين به تجريده، تدريجاً من قسم من أوراق قوته، من خلال تحميله المسؤولية عن فشل الحرب على صعدة، التي يقف وراء إشعالها، وعدم حسمها لمصلحة صنعاء.
وتقول المعلومات إن الحرس الجديد كان يستعد للانتقال إلى المرحلة الحاسمة، التي ستشمل ترتيباتها تحجيم الرئيس في المرحلة الأولى، من خلال سحب القرار السياسي الحاسم حيال قضايا عدة. ويمثل هذا المعسكر الابن أحمد الذي يعدّ القائد الفعلي للحرس الجمهوري والخاص والقوات المسلحة، وابن عمه العقيد يحيى محمد عبد الله صالح الذي يتولى رئاسة أركان الأمن المركزي (الأمن الداخلي). وكان الرئيس قد كلفه، بتوصية من الولايات المتحدة، بمهمة ملف تنظيم «القاعدة»، وضربه والتخلص منه في اليمن.
وعلى العموم، تتداول الأوساط في صنعاء أسماء تتنافس على موقع الرئاسة، وزادت حدة المنافسة بين هؤلاء في ظل تنامي المد الشعبي المطالب برحيل الرئيس، وتخلي حلفائه التقليديين عنه من القبائل والإسلاميين. وتبرز اليوم في الواجهة أربع شخصيات تمتلك بيدها أوراقاً مؤثرة:
الأول: نجل الرئيس أحمد علي عبد الله صالح، الذي مهّد له والده الطريق، سواء عبر الشؤون المحلية أو الدولية، فالرئيس صالح تصرف خلال العقد الأخير على أن رغبته الفعلية هي أن يجلس على كرسيّ اليمن من خلفه نجله البكر أحمد، رغم أنه لا يبدو على قدر كبير من الحنكة التي يمتاز بها أبوه. ويقول عارفوه إنه لا يجيد فنون اللعبة التي رسمها له والده، ما أتعب الأب في المراهنات مع كبار قادة الدولة المدنيين والعسكريين.
الثاني: حميد الأحمر، نجل شيخ مشايخ «حاشد»، كبرى قبائل اليمن، عبد الله بن حسين الأحمر، الرجل الذي كان قبل رحيله سنة 2007 بمثابة الذراع اليمنى للرئيس صالح طيلة فترة حكمه، وعرابه في العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وبعض دول الخليج، مثل الكويت. وقد كانت وفاته إيذاناً بضعف صالح، الذي اعتمد على الأحمر في كثير من المنعطفات الهامة خلال مسيرته في الحكم التي دامت 33 سنة، وسط عواصف لم تهدأ رياحها.
وبرز دوره جليّاً في الوقوف إلى جانبه في حرب 1994 ضد الجنوب، فهو الرجل الذي كان يمسك بورقتي القبائل والإسلاميين، الذين يدورون في فلك الإخوان المسلمين، وأدى دوراً أساسياً في مصالحة صالح مع السعودية، التي خاصمته بسبب وقوفه إلى جانب صدام حسين في غزو الكويت. وكان ثمن تلك المصالحة توقيعه على اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين، التي تعدّ في كل المقاييس مجحفة بحق اليمن.
يقف خلف نجل الشيخ الأحمر بعض مشايخ «حاشد»، وهو يتمتع بشعبية واسعة في عمران (قرب صنعاء)، وفي صنعاء التي يراها محطة الوصول إلى القصر الجمهوري. وقد برز خلال السنة الماضية في جملة من الأحاديث الصحافية التلفزيونية. واللافت أنه تحدث بجرأة شديدة، وبصراحة عن ضرورة مغادرة الرئيس صالح للحكم، واعتبره سبب كل مشاكل اليمن. وهو يحاول أن ينسج شبكة من التحالفات الداخلية، تمتد من القبائل المتضررة من النظام، وصولاً إلى بعض الشخصيات الجنوبية مثل الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي ناصر محمد. كما أنه ينشط من خلال تجمع أحزاب المعارضة، المعروف باسم «اللقاء المشترك»، وشارك على نحو واضح في فعالياته، وساهم في العام الماضي في إعداد وثيقة تعرف باسم «وثيقة الإنقاذ»، التي تقوم على أطروحة «التغيير مقابل التشطير»، أي إعفاء علي عبد الله صالح واستبداله بشخصية جنوبية، لإرضاء الجنوبيين وإقناعهم بالتراجع عن مشروع فك الارتباط. وأجرى في السنة الماضية اتصالات مع الرئيس الجنوبي علي سالم البيض لإقناعه بالمشروع، لكون البيض يمتلك ورقة الشرعية الجنوبية من منطلق أنه صاحب مشروع الوحدة مع الشمال، وتسلّمه منصب الرئاسة خلفاً لعلي عبد الله صالح يبدو الضمانة الوحيدة لتجاوز مسألة فك الارتباط التي يتبنّاها الرئيس الجنوبي السابق.
أوراق حميد الأحمر تعززت في الآونة الأخيرة عندما انضم إليه اشقاؤه ضد الرئيس صالح، وخصوصاً صادق عميد العائلة وزعيم القبيلة.
الثالث: يحيى محمد عبد الله صالح، ابن شقيق الرئيس صالح، قائد الأمن المركزي، الذي يرى أن حظوظ وصوله إلى القصر الجمهوري أقوى من بقية أفراد العائلة، بسبب ضعف شخصية ابن عمه أحمد علي عبد الله صالح. ويقف من خلف يحيى قادة في الأمن المركزي، وأخواه طارق وعمار، وهو يتصرف على أنه يملك القبضة الحديدية على محافظة عدن، ويتخذها الورقة الرابحة للفوز بكرسي الجمهورية.
الرابع: اللواء علي محسن الأحمر، الأخ غير الشقيق للرئيس، الذي حاول في الآونة الأخيرة أن يقيم مسافة بينه وبين الرئيس صالح، عندما رفض الاستجابة لأوامر منع المحتجين من دخول ساحة التغيير في صنعاء. وأراد علي محسن من ذلك أن يسحب نفسه علناً من تحت عباءة شقيقه الذي بات على خصومة علنية معه منذ أن سربت برقيات «ويكيليكس» معلومات أن الرئيس زوّد الطيران السعودي بإحداثيات عسكرية على أنها مواقع للجماعة الحوثية، لكنها كانت لمقر الفرقة الأولى التي يقودها علي محسن الذي نجا بأعجوبة.
عملية التخلص من علي محسن ما هي إلا محاولة من جانب الرئيس في إطار معركة التوريث وتهيئة الساحة أمام نجله أحمد، لأنه يعرف الثقل الذي يتمتع به أخوه غير الشقيق، الذي كان على الدوام ذراعه اليمنى. فهو يمتلك من أوراق القوة ما يؤهله لقطع الطريق على نجل الرئيس. الورقة القوية بيده هي الفرقة المدرعة الأولى التي تحيط بصنعاء وتحمي الإذاعة والتلفزيون، وتعدّ أقوى من الجيش اليمني نفسه، والثانية هي التنظيمات الجهادية، فهو الذي رعى إرسالها الى أفغانستان وتولى شأن عودتها وفتح معسكرات لها، وزجّها في حرب سنة 1994 ضد الجنوب، وتزوج بشقيقة أحد أبرز رموزها الشيخ طارق الفضلي، كما أنه يعدّ ضابط إيقاع تنظيم «القاعدة» في اليمن وحاميه. وبرز ذلك حين زجه الى جانبه في حرب صعدة ضد الحوثيين، وبتمويل من السعودية. وبالإضافة الى ذلك، هو حليف القوى السلفية والإخوان المسلمين، وذراعه اليمنى الشيخ عبد المجيد الزنداني، الذي أعلن انشقاقه العلني عن النظام بعدما حاول مع تجمع العلماء تقديم مبادرة لحل الأزمة تقوم على تنحي الرئيس تدريجاً.
ورغم كثرة التكهنات والتسريبات في صنعاء، فهناك من يرجّح بأن المعركة حسمت لما يسمى الحرس أو النخبة الجديدة، لغير مصلحة الحرس القديم، ولكن بنهاية توافقية على ما يبدو، تظهر النصر للطرفين، وأن جيلاً بأكمله سيقعد ولكن بما يحفظ ماء الوجه، ويصون ما بقي منه من جدوى، وما يمكن تحصيله من فوائد في خدمة وتعزيز نظام الفرد وحكم الأسرة.