غزة | لم تتّضح بعد الرؤية الهِلالية للموقف الفلسطيني المجيد بانقساماته إزاء ما يحدث من ثورات في الشرق الأوسط. فانهيار الصمت الطويل الذي جعل من الشعوب مجرّد دمى خشبية سابقاًً، بات أيضاً عدوى واعية، بعدما أثبتت التجربة أنّ حرياتهم وحقوقهم وأوطانهم لا تحتاج إلى أكثر من أحذية جيّدة تدوس خوفاً كامناً فى لاوعيّهم،
من قداسة الحُكّام وجبروتهم التي أحاطت بهم لعقود، وأقدام تصبر على ماراثونات الركض أمام الشرطة والمشي في تظاهرات سلمية، وحناجر قويّة غاضبة... وكرامة.
غير أنّ «الشحوب» الذي تشهده السياسات والتصريحات الرسمية العربية في الدول المجاورة للثورات، بات مضحكاً ومثيراً للشفقة. فالكلام ينضح بالخوف من غضب الرعايا الكِرَام! كذلك ماكينات الإعلام التابعة للأنظمة العربية لم تعد تخفي كذبها وتلفيقها عن الشعوب، بل باتت المسألة «على عينك يا تاجر»، ليكون التضليل واضحاً إلى درجة أنّه يكاد يُضرَبُ به المَثَل في الديمقراطية والاعتراف بالحق!
لا يمكن التغاضي أيضاًً عن فلسفات ونظريات بعض الشخصيات السياسية والإعلامية المُتأثِرة جداًً على ما يبدو بمشاهدة مباريات كرة القدم والمصارعة، فلا يتقن هؤلاء سوى النحيب والصراخ والابتسام والتصفيق من وراء الشاشة، وخصوصاً أنّ الفرصة صارت مواتية لالتقاط الصور والأضواء وتبييض الوجوه.
لكن تبييض الوجوه هذا لم يعد كافياًً للموقف الرسمي الفلسطيني، فالسلطة في رام الله وفصائل منظمة التحرير التزمت الصمت المرتبك باتجاه الثورة التونسية، كذلك جاءت خيبتها لفقدان حليفها المصري صادمة، وجاء فى أحد التصريحات تعليقاً على ما يحدث فى ليبيا ولخّصته لغة المفاوضات المراوِغة: «ما يحدث فى ليبيا هو شأن داخلي خاص بها ونتمني السلامة للشعب الليبي». ولم تختلف مواقف الأحزاب اليسارية والإسلامية الفلسطينية كثيراً، فقبل إعلان تنحّي الرئيس المصري حسني مبارك عن منصبه، لم يجرؤ أحدهم على اتخاذ موقف سياسي أو إعلامي واضح ضد سقوط النظام المصري أو معه: حكومة حركة حماس في غزة كانت قلقة على مصالحها مع النظام السابق، وهو ما اتضح في إخمادها أي أثر يدُل على تأييد الغزيين لخلع الريّس، وفي إعلان مُباركتِها الزائفة للشعب المصري في ما بعد على إنجازه العظيم! فيما كان كل فرد من أفراد حكومتها في غزة وأمن السلطة فى رام الله يقمع تظاهرات التضامن والاحتفاء.
لكن يبدو أنّ تعريف نابليون بونابرت للديكتاتور بأنّه «الحاكم الذي يحوزُ ثقة الأمّة وتأييد الرأي العام، حتّى آخر دقائق ما قبل سقوطه!» يُثبِتُ فاعليته.