صنعاء | منذ بداية العدوان السعودي في آذار الماضي، ركّزت طائرات «التحالف» على قصف الاسواق الشعبية، حيث وصل عدد الاسواق المستهدفة جوّاً إلى 211 سوقاً، ما أدى الى مجازر على امتداد المحافظات اليمنية. وإلى جانب قتل الباعة والمتسوقين وشلّ الحركة الاقتصادية، يصبح ضرورياً السؤال عن سبب التركيز على الاسواق التي كان آخرها سوق عاهم في محافظة حجة الذي قصفته طائرات التحالف، أول من أمس.
ورغم اندثارها في عدد من المحافظات، ظلّت الأسواق الشعبية الأسبوعية في محافظات صعدة، حجة، الحديدة وعمران، الوجهة الأولى للباعة والمستهلكين. وتحكم هذه الاسواق في اليمن أعراف تحرّم العنف في الأسواق للحفاظ على حياة المتسوقين، إلا أن العدوان حوَّل تلك المساحات إلى ركام فوق أجساد اليمنيين.

خريطة الاستهداف

تعددت أنواع الأسواق المستهدفة، وتوزعت بين أسواق عامة وشعبية يومية وأسبوعية، وأخرى زراعية تجميعية مركزية وريفية. وبحسب التصنيف الأوّلي، احتلت أسواق محافظة صعدة المرتبة الأولى من إجمالي الأسواق المستهدفة، تليها أسواق محافظة حجة ثم الجوف وعمران والحديدة ومأرب وشبوة والبيضاء وصنعاء ولحج. أما محافظة عدن، فنالت أسواقها الحديثة حصة الأسد من الغارات الجوية.
وفي تشرين الأول الماضي، استهدفت الطائرات عدداً من أسواق محافظة صعدة، ما أدى الى جرائم ضد المدنيين وتسبب بخسائر مادية كبيرة. وبعد أيام عدة من ارتكاب طائرات العدوان جريمة إبادة جماعية بحق 90 مدنياً خلال استهدافها سوق آل مقنع الشعبي في مديرية منبه، استهدفت سوق شعارة في مديرية رازح الذي يعد ثاني أكبر أسواق محافظة صعدة بسلسلة غارات. وتعرض سوق الاثنين في منطقة الشعف في ساقين وسوق مران الشعبي في مران في صعدة للدمار، كما قُصف سوق المهاذر وسوق مديرية حيدان منتصف تشرين الأول بالقنابل العنقودية.
وفي حزيران الماضي، أغار «التحالف» على سوق يسنم في مديرية باقم، واستهدف في نيسان سوق العند وسوق الخفجي وسوق الخميس في ساقين أيضاً وسوق منطقة بني بحر، بالإضافة إلى الأسواق الحديثة المقامة داخل مدينة صعدة، ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا.

تكثيف الضربات على الحدود

نالت أسواق المناطق
الحدودية حصة الأسد
من القصف
خلال الأشهر الماضية، شنّت الطائرات حملة شرسة ضد أسواق محافظة صعدة. ووفق تأكيدات مصادر محلية في المحافظة، استهدفت طائرات العدوان ومدفعيته معظم الأسواق الواقعة في المناطق الحدودية مع السعودية، ما أدّى إلى توقف نشاطها التجاري بصورة نهائية. ووفق المصادر نفسها، هاجمت طائرات العدوان سوق الطلح لأسبوعي الواقع ضمن مديرية منبه أكثر من مرة وألحقت به خسائر فادحة، فيما دمّرت أسواق المنزالة والملاحيط والحصامة والمشنق وجميعها تقع على الحدود مع السعودية.
وبالقرب من الحدود أيضاً، حلّت محافظة حجة في المرتبة الثانية بعدد أسواقها المستهدفة على مدى الفترة الماضية من العدوان. سوق عاهم الذي ضُرب أول من أمس، كان قد قُصف سابقاً وسقط جراء ذلك 30 قتيلاً فيما أصيب العشرات. واستُهدف أيضاً سوق منطقة ظهر أبو طير في مديرية الشغادرة في أيلول الماضي، ما أدى إلى مقتل 40 مدنياً. وتعرّضت مختلف الأسواق الواقعة على الحدود مع السعودية في حجة للدمار، وفي مقدمتها سوق كشر وسوق مثلث مديرية حيران وسوق المزرق، بالإضافة إلى أسواق مستبا وكل أسواق مدينة حرض الحدودية.
أما في محافظة الحديدة، فقد استهدف العدوان ثلاثة أسواق خلال فترات زمنية متقاربة، وكانت البداية باستهداف سوق مدينة زبيد التاريخية، مرتكباً مجزرة أوقعت 50 متسوقاً في منتصف تموز الماضي، ومن ثم استهدف سوق بيت الفقية وسوق الضحى وسقط في تلك الهجمات عشرات الضحايا.
وفي مطلع حزيران الماضي، كثّفت طارات العدوان هجماتها على عدد من أسواق محافظة عمران الشمالية، إلا أن الكثير من تلك الأسواق التي تعد سوى ملتقيات مؤقتة للبيع والشراء لم تتضرر باستثناء بعض الأسواق التي تمتلك بنية تحتية كسوق السكيبات وسوق جوب السفلي الواقع في مديرية جبل عيال يزيد، ما أدى إلى سقوط 54 قتيلاً بينهم نساء وأطفال.

تصفية حسابات في عدن

فيما عمد «التحالف» إلى تبرير قصف الأسواق باستهداف مجموعات من مسلحي «أنصار الله»، إلا أن دائرة استهداف الأسواق في محافظة عدن كانت مبرراتها مختلفة. فطائرات العدوان المتحالف مع تيارات مناهضة للوحدة اليمنية، عملت على تصفية حسابات مع مستثمرين ينحدرون من المحافظات الشمالية، حيث استهدف المجمع الاستهلاكي التابع لأحد أبناء المحافظات الشمالية بعدد من الغارات بذريعة وجود أسلحة تابعة للجيش و»اللجان الشعبية» بداخله، الأمر الذي أوصل خسائر المجمع إلى 20 مليون دولار.
وتحت المبرر نفسه، استهدفت الغارات الجوية مول «برج العرب» في المدينة على الرغم من نفي مالكه الشائعات التي طاولته، ودعوته السلطات المحلية إلى تشكيل لجنة تفتيش للتأكد من صحة تلك الشائعات، إلا أن طائرات «التحالف» حوّلت المول التجاري إلى أثرٍ بعد عين، كما بلغت خسائره الأولية 36 مليون دولار. كذلك، تعرض «عدن مول»، أحد أكبر الأسواق التجارية الحديثة في أيار الماضي للقصف بعدد من الغارات.
ويؤكد رئيس المركز القانوني للحقوق والتنمية، المحامي طه حسين أبو طالب، في حديثٍ لـ «الأخبار» تصاعد استهداف طائرات «التحالف» للأسواق العامة والتجارية إلى أعلى المستويات. وأوضح أن المركز القانوني رصد حتى الآن استهداف أكثر من 211 سوقا في عموم المحافظات منذ بداية العدوان، مشيراً إلى أن العمليات التي نُفذت بحق الأسواق كانت تجري في أوقات الازدحام، ما أدى إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين من المتسوقين والباعة وأصحاب المحلات. وحول دافع العدوان خلف ضرب هذا العدد من الاسواق، أكد ابو طالب ان المركز القانوني لم يجد أي تفسير منطقي لاستهدافها، ولا سيما أنها بعيدة عن أي أهداف عسكرية، ما يمكن وضعه في خانة الرغبة بقتل أكبر عدد ممكن من الناس وترويع الاخرين والضغط على بعض الاطرف، فضلاً عن تدمير كل مقومات الحياة في البلد لشلّ النشاط الاقتصادي بصورة تامة وإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر الاقتصادية.