كتب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أسماءً على ورقة، شطب بعضها، تشاور مع مستشاريه ثم حمل الهاتف، طالباً البيت الأبيض وهو يقول في نفسه: «لن يسبقني الأميركيون على تسمية الحرب... أنا أيضاً يمكنني أن أبتكر اسماً معبّراً وقوياً لعملية سيخلّدها التاريخ كأحد أبرز إنجازات عهدي». رنّ الهاتف في البيت الأبيض، رفع باراك أوباما السمّاعة. وقبل أن يقول «ألو»، سبق نظيره الفرنسي ليقول: «Operation Odyssey Dawn»، (عملية فجر الأوديسة). يمكن تخيّل حدوث سيناريو مماثل لمرحلة اختيار أسماء العمليات العسكرية التي أطلقتها كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وكندا بعيد صدور قرار مجلس الأمن بفرض حظر جوّي على ليبيا. وبما أن «حفلة» الحرب على ليبيا ضمّت أكثر من راع، وفّر المشاركون فيها عناء الاتفاق على اسم موحّد، فاختار كل بلد تسمية تناسبه. الولايات المتحدة سمّتها: «فجر الأوديسة»، فرنسا: «أرماتان» Harmattan، بريطانيا أطلقت عليها اسم: «إيلّامي» Ellamy وكندا: «موبايل» Mobile.
وفيما أكّد مسؤولون في مكتب وزارة الدفاع البريطانية أن اسم «إيلامي» لا يعني شيئاً وقد اختير «عشوائياً»، يظهر جلياً أن كندا احتفظت باسم عملية الإجلاء التي أطلقتها بمساندة القوات المالطية في 24 شباط 2011 لإخراج رعاياها من ليبيا، وكان اسمها «موبايل».
فرنسا، من جهتها، اعتنت بانتقاء تسميتها. وعلى الطريقة الساركوزية المتأثرة بالأسلوب الأميركي، اختير اسم من معجم «العواصف» ليعبّر عن أجواء هجمتها العسكرية: «أرماتان» هو الاسم الفرنسي الذي يطلق على الهواء الساخن والمغبر الجاف الذي يهبّ على غرب أفريقيا والآتي من الصحراء الكبرى، وهو المعروف أيضاً باسم «ميسترال الجنوب»، علماً بأن إحدى أكبر دور النشر في فرنسا تدعى «أرماتان» أيضاً.
وحسب علم الأرصاد الجوية، فإن العاصفة الصحراوية الأفريقية تلك تضعف وتتوقف في منتصف شهر آذار من كل عام. لكن العملية العسكرية «أرماتان» لن تخضع لقوانين الطبيعة، وخصوصاً إذا سارت المعارك وفق التسمية الأميركية.
فالـ«أوديسة»، وهي اسم الملحمة الإغريقية الشعرية الشهيرة (من كتابة هوميروس)، تروي أحداثاً تمتد على عشر سنوات. أشعار الـ«أوديسة» تتحدث عن الفترة التي استغرقها أوليس، أحد أبطال حرب طروادة، للعودة مع جيشه الى جزيرته إيتاكا، وقد استغرقت عودتهم عشر سنوات.
لماذا اختارت الولايات المتحدة هذه التسمية إذاً؟ وهل ينوي الجيش الأميركي البقاء في الميدان طيلة السنوات العشر المقبلة؟ البعض سأل إذا كان من اختار التسمية الأميركية قد قرأ فعلاً «الأوديسة»؟
والمرجّح أن «الفجر» (الذي يتناسق مع «الأمل» و«التغيير» وكل ما هو جديد) هو من اختيار أوباما، الذي غيّر في شباط عام 2010 اسم «عملية حرية العراق» الى «عملية الفجر الجديد».
«فجر الأوديسة» شغل المدونين، وكان مدعاة سخرية وانتقاد في بعض المقالات الصحافية وعلى صفحات «فايسبوك» و«تويتر». السؤال الموحّد تمحور حول السنوات العشر التي ترمز إليها أحداث الملحمة: «بالله عليكم، لماذا يختار أحدهم رواية تحكي عن مغامرات مُهلكة يخوضها بطل علق على شواطئ البحر المتوسط لمدة عشر سنوات، ليطلق اسمها على عملية عسكرية؟». يسأل عدد كبير من المدوّنين بتهكم. والبعض الآخر نبش أحد أفلام «الأكشن» للممثل جان كلود فان دام، الذي كان عنوانه عام 1989... «فجر الأوديسّة».
«يذكّرني باسم نجمة أفلام إباحيّة من فترة السبعينيات»، يقول الصحافي جايمس ولكوت على موقع «فانيتي فير». «هو أشبه باسم ترويجي لعروض السفر في العُطل»، يشير نيل أشيرسون في صحيفة «غارديان» البريطانية.
وفيما رفض البعض التوقف عند التسميات لاعتبارها أمراً ثانويّاً جداً، رأى البعض الآخر أن إطلاق الأسماء على الحروب لطالما عبّر عن رسالة تريد أطراف الهجوم إيصالها للداخل وللدولة الهدف وللعالم، منذ معارك الحرب العالمية الثانية.
مجموعة ثالثة من المعلّقين اقترحت تسميات «أكثر تعبيراً وصراحة» من الأسماء التي اعتمدت، ومنها: «عملية المزيد من البترول» أو «عملية الثأر للوكربي» أو «عملية ربيع السلاح». أما التحية «الحارّة» والأشدّ سخرية فوُجّهت الى الرئيس الأميركي باراك أوباما، أحد رعاة الهجمات العسكرية على ليبيا و... «حامل جائزة نوبل للسلام».