كانت الأحداث في اللاذقية العنوان الأبرز في المشهد السوري خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، ولا سيما بعد شبهة الفتنة الطائفية التي حامت حولها، وخصوصاً مع سقوط 12 قتيلاً، بحسب تأكيد مصدر رسمي سوري، جزم بأن «قناصة تابعين لمجموعة مسلحة أطلقوا النار على المارة في اللاذقية».بدورها، نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا» عن مصدر أمني قوله إن «الاعتداءات التي شنتها عناصر مسلحة على أهالي مدينة اللاذقية وأحيائها خلال اليومين الماضيين أدت إلى استشهاد عشرة من قوى الأمن والمواطنين، ومقتل اثنين من العناصر المسلحة التي جابت شوارع المدينة واحتلت سطوح بعض الأبنية وأطلقت النار عشوائياً على المواطنين وبثت الذعر بين الأهالي». وأضاف إن «نحو مئتي شخص معظمهم من قوى الأمن أصيبوا في هذه الاعتداءات».
ونتيجةً لذلك، دخلت تعزيزات عسكرية مدينة اللاذقية. وقالت صحيفة «الوطن» إن «قوات من الجيش السوري دخلت مساء السبت الى اللاذقية وانتشرت في كل المناطق وأعادت الأمن والأمان وبدأت مطاردة ما بقي من زعران». وأضافت إن «من نفّذوا عمليات التخريب ليسوا متظاهرين لهم مطالب، بل زعران معروفون بتاريخهم الإجرامي في المدينة، يضاف إليهم عدد من الذين أتوا من مدن أخرى ومن خارج سوريا، وبدأوا يتجولون بمجموعات مسلّحة ويكسرون محال وسيارات، ويحرقون عدداً من الممتلكات العامة والخاصة».
واتهمت مستشارة الرئيس بثينة شعبان جهات خارجيّة، بطريقة مباشرة فلسطينيّين بأحداث اللاذقية، وقالت «أتى أشخاص البارحة (الجمعة) من مخيم الرملة (للاجئين الفلسطينيين) الى قلب اللاذقية وكسروا المحال التجارية وبدأوا بمشروع الفتنة، وعندما لم يستخدم الأمن العنف ضدهم خرج من ادعى أنه من المتظاهرين وقتل رجل أمن واثنين من المتظاهرين».
لكن الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة، أحمد جبريل، نفى أن يكون فلسطينيون قد شاركوا في أحداث اللاذقية، مطالباً «بضرورة توضيح الصورة رسمياً بعد ما قيل عن هذا الأمر». وقال «من نزل إلى اللاذقية وشاغب هم سكان تجمع ملاصق لمخيم الرمل ويقع إلى الجنوب منه ولا يفصل بينهما إلا مسيل ماء، ويقطنه فقراء من محافظة إدلب وبلدة الحفة في اللاذقية». وأضاف «الناس اعتقدوا أن الفلسطينيين هم المتظاهرون، لكن من فعل ذلك هو من خرج من الحي الإدلبي وقد أوضحت الأمر لوزير الإعلام محسن بلال».
وكان الجيش السوري قد عزز من وجوده في مدينة درعا الجنوبية وفي شوارع ميناء شمالي اللاذقية. وقالت جماعة لحقوق الإنسان إن دور الجيش لا يزال ثانوياً بعد الشرطة السرية والقوات الخاصة التي أرسلت الى المدينة في محاولة لقمع الاحتجاجات.
وخرجت ثلاث جنازات على الأقل لقتلى الاضطرابات في قرى حول درعا أمس، وانفضت بصورة سلمية من دون وجود أمني واضح. وهتف المشيعون في إحدى الجنازات «الشعب يريد إسقاط النظام».
وفي صنمين، وقعت مواجهات دامية يوم الجمعة أدّت إلى مقتل 17 شخصاً، بحسب حقوقيين، و10 بحسب الرواية الرسميّة. وأكد ناشط حقوقي لوكالة «فرانس برس» «لقى 17 متظاهراً مصرعهم عندما أُطلقت النار عليهم بينما كانوا متوجهين من الصنمين (40 كلم شمال درعا) الى درعا». وأضاف إن «قوات الأمن فتحت النار بكثافة على متظاهرين تجمعوا أمام منزل محافظ درعا»، الذي أُقيل الأربعاء بمرسوم رئاسي.
وقال شاهد عيان «تظاهر اكثر من 10 آلاف شخص في ساحة درعا، حيث عمد أحد المتظاهرين إلى تمزيق صورة للرئيس السوري كما حاول اثنان من المتظاهرين تحطيم تمثال للرئيس السابق حافظ الأسد وحرقه». وأضاف «أطلق رجال الأمن وبعض العناصر الذين كانوا في مقر حزب البعث الحاكم النار على المتظاهرين وأردوا أحدهم».
غير أن مسؤولاً سورياً قال لصحيفة «تشرين» إن «مجموعة مسلحة هاجمت (الجمعة) مقراً للجيش الشعبي في بلدة الصنمين محاولةً اقتحامه، فتصدى لها حراس المقر وأدّى الاشتباك إلى مقتل عدد من المهاجمين»، كما أوضح المصدر نفسه أن حارس ناد للضباط قُتل بأيدي محتجين في مدينة حمص على بعد 160 كيلومتراً شمال دمشق.
وكانت الاحتجاجات قد وصلت إلى قلب العاصمة السورية يوم الجمعة الماضي، إذ تجمّع المئات بحسب بعض الفضائيات، وبضعة أفراد بحسب شهود عيان، أمام الجامع الأموي وفي حي مجاور، فاعتُقل معظمهم قبل أن يُطلَق سراح بعضهم، فيما جابت مواكب سيّارة ومسيرات شوارع العاصمة السورية في مظاهر تأييد للرئيس بشار الأسد.
من جهة ثانية، اعتقلت السلطات السورية أميركيّين اثنين، أحدهما مصري أميركي يدعى محمد رضوان، قالت وكالة «سانا» إنه اعترف ببيع صور وتسجيلات عن المتظاهرين لامرأة كولومبية. وعرض التلفزيون السوري اعترافات المصري، الذي قال إنه «يعمل في سوريا، وتبين أنه سبق أن زار الكيان الإسرائيلي سرّاً».
الى ذلك، لفتت وزارة الداخلية المواطنين الى ضرورة الانتباه إلى رسائل نصية عبر الهاتف الجوال ومنشورات توزّعها جهات «مغرضة» تدعو إلى التجمع في ساحة الأمويين وسط العاصمة.
وقالت، في بيان نقلته وكالة الأنباء السورية، «إنها ترجو منهم عدم الاستجابة لهذه الدعوات المغرضة وغير الصحيحة حرصاً على سلامتهم».
في هذه الأثناء، أفرجت السلطات السورية عن نحو 260 معتقلاً سياسياً. وقال رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان، عبد الكريم ريحاوي، إن السلطات «أفرجت مساء الجمعة عن 260 معتقلاً سياسياً، بينهم 14 كردياً»، مشيراً الى أن «معظم الذين أفرج عنهم كانوا قد اعتُقلوا على خلفية انتمائهم الى تيارات إسلامية». كذلك أكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن أن السلطات السورية أفرجت عن مئتي معتقل سياسي بينهم إسلاميون من سجن صيدنايا.
كذلك أفرج القضاء السوري عن 17 ناشطاً اعتقلوا خلال تظاهرة 16 آذار. وقال المحامي ميشال شماس إن «القاضي قرر الإفراج عن 17 معتقلاً كانوا قد أُوقفوا في دمشق» خلال الاعتصام أمام وزارة الداخلية الداعي الى الإفراج عن المعتقلين السياسيين، مضيفاً إنه «لا يزال هناك 9 أشخاص قيد التوقيف، بينهم الناشطتان في مجال حقوق الإنسان سهير الأتاسي وناهد بدوية».
(الأخبار، وكالات)