حين أعلن وزير الخارجية الإيطالي، فرانكو فراتيني، أول من أمس أن الانشقاقات في صفوف الدائرة المقرّبة من الزعيم الليبي معمر القذافي، ستطيحه بدلاً من العملية العسكرية، كان ذلك إيذاناً واضحاً من بعض الدول الأوروبيّة بتفكيك قيادة القذافي من خلال انشقاق أقرب المقرّبين إليه. ولعله لم يكن آخر الغيث منذ يومين حين فرّ وزير خارجيته، موسى كوسا، إلى لندن، مبتعداً عن رفيق دربه الطويل.
الخبر أتى على لسان مصدر حكومي بريطاني، أمس، أعلن أن أحد مستشاري معسكر معمر القذافي في طرابلس، الذي كان يزور عائلته في لندن، عاد حاملاً «رسالة قوية» من الحكومة البريطانية إلى نظام الزعيم الليبي.
وقال هذا المصدر، طالباً عدم كشف اسمه إن «محمد إسماعيل أتى إلى بريطانيا لرؤية عائلته، واغتنمنا الفرصة لتوجيه رسالة قوية إلى نظام العقيد القذافي».
فعلى ما يبدو أن بريطانيا تعتمد في هذا الإطار سياسة مزدوجة، من ناحية تفتح الخط مع النظام عبر مستشار نجله سيف الإسلام (الفاعل في النظام، رغم أنه خارج السلطة)، ومن ناحية ثانية تستقطب المقرّبين من القذافي مثل وزير خارجيته الذي قيل إنه غادر طرابلس بحجة إجراء مفاوضات مع المسؤولين البريطانيين لإيجاد مخرج للقذافي، وهناك أعلن انشقاقه، طالباً اللجوء السياسي.
وقد يكون التعاطي الحذر من بعض المسؤولين في لندن مع كوسا، الذي نتج منه عدم منحه الحصانة وفتح ملفه في قضية لوكربي، مغازلة من العاصمة البريطانية للزعيم الليبي، هدفها إنجاح تسوية تضمن للقذافي الرحيل بأقل خسائر ممكنة للطرفين.
وبالعودة إلى الرؤية الإيطالية لتفكيك الحلقة الضيقة المحيطة بالقذافي، كرّت سبحة الانشقاقات أمس عقب فرار كوسا، حيث ذكرت مصادر أن مجموعة من المقربين من العقيد الليبي فروا خارج البلاد باتجاه تونس، هم: الأمين العام لمؤتمر الشعب العام الليبي محمد أبو القاسم الزوي، ورئيس جهاز الأمن الخارجي «الاستخبارات» أبو زيد عمر دورده، وأمين اللجنة الشعبية العامة المكلف الشؤون الأوروبية عبد العاطي العبيدي.
وفيما نفت وزارة الداخلية التونسية أن يكون أقارب للقذافي أو أفراد من عائلات أبنائه قد دخلوا تونس بهدف اللجوء أو العبور إلى دول أخرى، أعلن المندوب الليبي لدى الأمم المتحدة، علي التريكي من القاهرة، عدم الاستمرار في أي عمل رسمي مع نظام العقيد، مع التذكير بأن التريكي حل مكان عبد الرحمن شلقم الصديق الأقرب إلى القذافي الذي انشق عنه منذ بداية الأحداث في شباط الماضي.
وإن كان انشقاق ابن عم القذافي ممثله الشخصي، أحمد قذاف الدم، الصفعة الأكثر إيلاماً لنظام العقيد العنيد، فإن استقالات عديدة في صفوف الوزراء والدبلوماسيين وأجهزة الأمن والجيش بدأت منذ 15 شباط، لم تكن أقل خطورة على وضع النظام الليبي من غيرها.
ففيما أعلنت واشنطن أن انشقاق وزير الخارجية موسى كوسا، يظهر أن نظام القذافي يتداعى، كانت إشارات عديدة منذ بداية الثورة تبيّن بوضوح الآثار السلبية التي سيعانيها القذافي نتيجة انفضاض الجمع من حوله.
لم تكن استقالة وزير الداخلية الليبي عبد الفتاح العبيدي، هي فاتحة الاستقالات، بل سبقه وزير العدل مصطفى محمد عبد الجليل، وعدد من السفراء والدبلوماسيين في الجامعة العربية والصين والهند وأذربيجان وإندونيسيا وبولندا والأمم المتحدة والرباط والأردن. خطوات اندرجت جميعها تحت عنوان الاحتجاج على ما يرتكبه النظام بحق الشعب المطالب بالتغيير والديموقراطية.
وإذ أدت الاستقالات وسط السلك الدبلوماسي دوراً في تأليب الرأي العام العالمي على ممارسات السلطة الليبية، وتسريع العواصم الكبرى نحو دراسة قرار تدخّل جدي في ليبيا لوقف المذبحة، كانت الانشقاقات على المستوى العسكري والأمني مفيدة داخلياً وميدانياً لرفد الثورة المعدومة الخبرة بكفاءات عسكرية مهمة.
ورغم أن الانشقاقات كانت لها حصة الأسد في الشرق، ولا سيما بنغازي، لبعدها نسبياً عن دائرة القرار، إلا أنها تركت أثراً في إحداث شلل بين القيادة في طرابلس والمناطق. لعل أهم هذه الانشقاقات إعلان قائد المنطقة الشرقية، اللواء سليمان محمود، استقالته، وخصوصاً أن مواقف الرجل الرافضة لتوريث السلطة، أدت إلى تهميشه في السنوات الثلاث الأخيرة.
وسبق محمود، مدير أمن شعبية بنغازي، العميد علي محمود هويدي، الذي أعلن استقالته من منصبه واستعداده للانضمام إلى شباب الثورة. ثم انفرط العقد ليصبح معظم أفراد الكادر العسكري والأمني والسياسي في الشرق مع الثوار، ومنهم مدير الإدارة العامة للبحث الجنائي في بنغازي، العميد صالح مازق عبد الرحيم البرعصي. ولأن ليبيا قائمة على التقسيم القبائلي، الذي حاول القذافي توظيفه في حربه على مناهضيه، كان لإعلان قبائل ليبية كبرى براءتها من القذافي ونظامه، تأثير واضح على مصير النظام الذي لجأ إلى المرتزقة ليعوّض ما خسره من أبناء ليبيا في ساحات الوغى.
واللافت أن من بين هذه القبائل قبائل تقطن في المناطق الغربية، مثل قبائل الزنتان التي عبّر كبار مشايخها عن فقدانهم للثقة في شخص العقيد القذافي بعد كلمته الأولى من بيته في العزيزية، داعين عموم الشعب الليبي إلى الوقوف في وجهه ودعم الثورة.
وتضيق الدائرة لتطال القذاذفة أنفسهم، حيث وقف عدد من قيادات قبيلة القذاذفة في مدينة بنغازي إلى جانب الثوار، فيما دعا الوالي السابق لقبيلة أولاد سليمان، وهي ترتبط برابطة نسب مع قبيلة القذافي، الشيخ غيث سيف النصر، أبناء قبيلته وقبائل الجنوب إلى المبادرة بالانضمام إلى أبناء وطنهم، وأن «يتخلصوا من هذا الطاغية وهذا الظالم».
وفي قضية التفاوض السري بين لندن ودوائر القذافي، رفضت وزارة الخارجية البريطانية التعليق على المعلومات التي تحدثت عن أن مسؤولين بريطانيين التقوا محمد إسماعيل، أحد المستشارين المقربين لسيف الإسلام القذافي، لإجراء محادثات سرية. وأبلغت الصحيفة (الغارديان) أنها لا تنوي تقديم تقارير يومية عن الاتصالات بين البلدين.
ونقلت الصحيفة عن مصدر فضل عدم الكشف عن هويته في الحكومة البريطانية، أن اللقاء السري ما هو إلاّ واحد من اللقاءات التي نظمت خلال الأسبوعين الماضيين بين البلدين. وتناول اللقاء إمكان إيجاد مخرج للعقيد القذافي.
يشار إلى أن محمد إسماعيل غير المعروف في ليبيا والخارج، هو شخصية رئيسية بمحيط سيف الإسلام، وممثل طرابلس في مفاوضات شراء أسلحة، حسبما كشف موقع «ويكيليكس». وهذا غيض من فيض عن أهمية الرجالات الذين تركوا النظام بعدما اكتشفوا حجم خطره على شعبه.



الثوار مستعدون لوقف النار بشروط

أعلن رئيس المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا، مصطفى عبد الجليل، أمس، أن الثوار الليبيين مستعدون لاحترام وقف لإطلاق النار، شرط أن توقف قوات معمر القذافي هجومها على المدن التي يسيطر عليها المتمردون.
وتواصلت المعارك بين الثوار والقوات الموالية للزعيم الليبي قرب منطقة البريقة النفطية شرق البلاد، بينما تعرقل أحوال الطقس السيئة منذ أيام الغارات الجوية التي ينفذها التحالف الدولي.
وانتقل خط الجبهة بين الثوار وقوات القذافي أمس إلى محيط منطقة البريقة.
وبعد أسابيع من الفوضى في صفوف الثوار الليبيين، صدرت للمرة الأولى أوامر واضحة أمس، بمنع المدنيين والمتطوعين الشباب من الاقتراب من الجبهة قرب البريقة (شرق).
وشمل القرار أيضاً الصحافيين الأجانب الذين منعوا لأول مرة من الاقتراب من الجبهة.
(أ ف ب، يو بي آي)