واشنطن| كشف مسؤولون أميركيّون النقاب عن أن طاقم التجسس، الذي أرسلته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) إلى ليبيا بناءً على مرسوم رئاسي أصدره الرئيس باراك أوباما قبل أسابيع، يهدف في جانب من مهمته إلى جمع معلومات استخبارية عن أعضاء المجلس الوطني الانتقالي، الذي يتخذ من بنغازي في شرقي ليبيا مقراً له. كذلك ذكر أن جهاز استخبارات سلاح الجو البريطاني أرسل أيضاً ضباطاً إلى ليبيا للعمل على الأرض أسوة بضباط الـ «سي آي إيه»، فيما اعترف دبلوماسيون أوروبيون بأن الهدف الأساسي من وراء فرض منطقة حظر الطيران على ليبيا، جر الدول العربية إلى الانضمام إلى الحملة العسكرية الأميركية ـــــ الفرنسية ـــــ البريطانية لإطاحة نظام حكم العقيد القذافي.
وقد جاء هذا الكشف فيما يواصل الأميركيون والأوروبيّون، سواء الساسة منهم أو وسائل الإعلام، التركيز على وضعية المجلس الوطني الانتقالي، الذي يُفترض أنه يمثّل القيادة السياسية للمعارضة الليبية، التي تخوض صراعاً مسلّحاً ضد نظام حكم القذافي. وتدّعي مصادر أميركية وأوروبية أنّ الغموض لا يزال يكتنف هذا المجلس إلى حد التشكيك في قدراته القيادية ومدى صدقية تمثيله للشعب الليبي، فيما يراهن التحالف الغربي ـــــ العربي الرسمي بقوة على هذا المجلس في الدعوة إلى حسم الصراع المسلح في ليبيا لإطاحة النظام، حتى لا يجد نفسه مجبراً على نشر قوات برية تضعه في مواجهة مقاومة وطنية شرسة ضد الغزو الأجنبي على غرار النموذج العراقي الكارثي، وذلك رغم انضمام قطر إلى فرنسا لتصبح ثاني دولة في العالم تعترف بالمجلس، فيما قررت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تعيين ممثل رسمي لها في بنغازي.
وقال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، مايك روجرز، عقب مشاركته مع قادة الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديموقراطي ووزيري الخارجية والدفاع الأميركيين هيلاري كلينتون وروبرت غيتس ومدير مجلس الاستخبارات القومي جيمس كلابر، يوم الأربعاء الماضي، إنهم لم يتلقوا أيّ معلومات مطمئنة عن معارضي القذافي حتى يمكن تسليحهم، مضيفاً «نحن نعرف من يقاتلون لكننا في الحقيقة لا نعرف ما يريدون».
ولوحظ أن حملة القصف الجوي الغربية لم توقف تقدم القوات الموالية للقذافي مجدداً من سرت باتجاه بنغازي منذ 28 آذار، حيث أعادت السيطرة على منطقة الحوض النفطي.
وليس من المصادفة أن يتزامن التراجع الأخير لقوات المعارضة الليبية مع التسريبات الغربية عن وجود ضباط للاستخبارات الأميركية والبريطانية في ليبيا منذ أسابيع لتنسيق الهجمات الجوية، وجمع المعلومات الاستخبارية.
وقالت مصادر استخبارية إن ذلك موجّه بالدرجة الأولى إلى الرأي العام، بأن القوى الغربية تسيطر عموماً على الوضع، وأنها على اتصال مع المجلس الانتقالي والمجموعات، التي ستتولى الحكم عقب إطاحة القذافي. كذلك هو موجّه أيضاً إلى الداخل الليبي كجزء من حرب نفسية ضد القذافي وأركان حكمه، كما أن من شأن قبول قوات استخبارية غربية على الأرض أن يُسهّل، في ما بعد قبول قوات عسكرية محدودة على الأرض على شكل مدربين ومستشارين عسكريين.
لكن الثوار يشددون من جهتهم على تحقيق مطلبين أساسيين، ليتولوا بأنفسهم تنفيذ مهمة إطاحة القذافي من معقله في طرابلس، بعيداً عن مخاطر إمكان التدخل البري لقوات التحالف، حتى لا تجري مخالفة قرار مجلس الأمن الرقم 1973، الذي يستهدف في المقام الأول فرض حظر جوي فوق الأجواء الليبية لحماية السكان المدنيين.
ويؤكد أعضاء المجلس الوطني الانتقالي، أن المطلب الأول هو تسليح جيش الإنقاذ الوطني بأسلحة متطورة، ولا سيما الأسلحة الثقيلة والصواريخ المضادة للدبابات، لكي يتمكن من مواجهة الجيش الليبي المسلّح بالأسلحة الثقيلة.
أما المطلب الثاني الذي شدد عليه المعارضون، خلال اتصالاتهم بقصر الإليزيه والبيت الأبيض، فهو استمرار القصف الجوي ضد القوات الموالية للقذافي، ولا سيما ضد سلاح الطيران والقوات البرية، حتى يتمكن المعارضون من السيطرة أولاً على المناطق النفطية في شرق ليبيا ووسطها، تمهيداً لتحقيق الهدف الرئيسي وهو الزحف نحو طرابلس.
ورغم الحذر الغربي الشديد من تزويد الثوار بالأسلحة، تؤكد مصادر غربية أن التحالف الدولي قد يبدأ بتزويد المعارضين بالأسلحة، التي يرغبون فيها عن طريق البحر، نظراً إلى موقف مصر الذي يقوم على الاكتفاء بتقديم المساعدات الإنسانية، عبر الحدود البرية المشتركة المصرية الليبية.
ويرى المحلل السياسي الفرنسي، بيير بيريغوفوا، أن قوات التحالف بقيادة حلف شمال الأطلسي، تعمّدت خلال اليومين الأخيرين عدم قصف قوات القذافي بالكثافة المطلوبة، حتى تسمح لها باستعادة بعض المدن الاستراتيجية النفطية في شرق ليبيا، مشيراً إلى أن التحالف الغربي يريد من وراء ذلك توفير المبرّر اللازم لتسليح الثوار بأسلحة متطورة، نظراً إلى ضعف قدراتهم التسليحية.