يفضل اليمنيون حالياً تجنب الحديث عن أي خيارات غير سلمية لثورتهم، بما في ذلك اللجوء إلى استخدام العصا الغليظة الممثلة بالجيش، وتحديداً قوات اللواء على محسن الأحمر، مراهنين على وجود مروحة واسعة من الخيارات لم يلجأوا إليها حتى اللحظة، ستمكنهم متى ما أُطلقت من إطاحة صالح.فالمعتصمون يدركون خطورة تدخل ضباط الجيش الذين أعلنوا انضمامهم إلى الثورة لحسم المعركة مع صالح، وما سيترتب عليه من فرض لوجود جنرالات الجيش في المرحلة المقبلة من تاريخ اليمن. كذلك يرغب المحتجون في تفويت الفرصة على من ينتظر تدخل جزء من الجيش لجر البلاد إلى اقتتال داخلي، لن يستطيع أحد التكهن بمحصلته النهائية.
في الوقت نفسه، تيقن المحتجون أن الاعتصام إلى ما لانهاية في الساحات، من دون أن يترافق مع خطوات تصعيدية أخرى لم يعد بالإمكان التعويل عليه. لذلك، يبحث معارضو الرئيس اليمني، منذ أيام عن خيارات تصعيدية لإجبار الرئيس اليمني على الرحيل، بعدما أجهض أكثر من مبادرة منحته فرصة الخروج خروجاً مشرفاً، مؤكدين أن المقبل من الأيام لن يحمل سوى المزيد من تضييق الخناق على صالح، المتشبث بالسلطة.
خيارات من المرجح أن يكون عامل المباغتة هو الأبرز فيها، مثلما حدث يوم الثلاثاء الماضي، عندما لجأ المعتصمون من دون سابق إنذار، إلى الخروج من ساحة الاعتصام لفترة وجيزة وسط حالة من ذهول الأجهزة الأمنية التي كانت عاجزة عن تقدير خط سيرهم.
وفيما بدأت الدعوات تتوالى من شباب الثورة لتنفيذ إضراب عام في اليمن خلال الأيام القليلة المقبلة، تشير أوضاع اليمن إلى أن نتائج العصيان ستكون قاصمة للرئيس متى ما أُعلن، بعدما تهيأت الظروف المناسبة له. فالبلاد، منذ تصاعد الاحتجاجات، دخلت في حالة من الشلل شبه التام. المدارس والجامعات متوقفة في معظمها، المطالب الاجتماعية والاقتصادية لمختلف موظفي القطاع العام تأججت مع اندلاع الثورة، وحالة الاستياء تسمح بدفع الموظفين للامتناع عن تسيير أعمالهم. كذلك، تكررت بروفة الإضرابات في أكثر من مدينة خلال الآونة الأخيرة، وأثبتت نجاحها. أما القطاع الخاص، فأعلن انحيازه إلى الثورة، ولن يتوانى عن مؤازرة أي تحرك سيسرع من عملية رحيل الرئيس ليفسح المجال أمام نهوض البلاد اقتصادياً، ولا سيما بعدما بدأت النتائج السلبية لعدم الاستقرار تتوضح مع هروب المستثمرين الأجانب.
ووفقاً لشباب الثورة، تقتضي المرحلة الأولى أن يترافق الإضراب مع تنفيذ مسيرات سلمية لمحاصرة مقارّ الحكومة والبرلمان والإذاعة والتلفزيون بهدف إسقاطها تمهيداً لخطوة أكثر جرأة، يتحفظ المطلعون على إعلانها في الوقت الراهن، مؤكدين أن التطورات على الأرض، ومدى تجاوب الرئيس مع مطالب الشعب ستحسم ضرورة اللجوء إليها، لوضع النظام أمام أمر واقع جديد لن يكون قادراً على تخطيه مهما بلغ تعنته أو حجم الدعم الخارجي له، ولا سيما أن العالم غير مستعد لمواجهة سيناريو ليبي جديد في اليمن، حيث الظروف أكثر تعقيداً.
من هذا المنطلق، أوضح رئيس مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، عز الدين الأصبحي، في حديث مع «الأخبار» أن الأحزاب السياسية ممثلةً بأحزاب اللقاء المشترك مطالبة بجدية بأن تكون هي المحرك الحقيقي لخطوة تصعيد الحركة السلمية؛ لأن الكرة أصبحت في ملعب الأحزاب السياسية أكثر من أي وقت مضى لكي تقوم بدورها الفاعل؛ فهي لم تلحق بحركة الشباب في الشارع إلا متأخرة، وبإمكانها أن تكون جزءاً من حركة التغيير في هذه اللحظة.
ووفقاً للناشط الحقوقي، تكون مشاركة الأحزاب عبر طريقتين: الأولى إعلان إضراب في كل المرافق المختلفة للدولة، على أن يحميها الناس، وبالتالي لن يتأذى الموظفون المضربون من أي إجراءات عقابية؛ لأنهم محميون من ملايين المواطنين. أما النقطة الثانية، فتشمل تنظيم الأحزاب لمسيرات مختلفة إلى المقار الرئيسية للدولة: البرلمان، رئاسة الوزراء، الإذاعة والتلفزيون، بهدف تخفيف الضغط عن ساحات الاعتصام، وتشتت أمن النظام، وتقول إن مساحة الاعتراض تتجاوز مجرد ساحات محددة في مدن رئيسية، وذلك بعدما أبدى خشيته من أن تتحول ساحة التغيير في صنعاء إلى سجن اعتقال كبير لعشرات الآلاف من الناس، محاطة من الجيش والأمن من جهات مختلفة، وبالتالي تعمل على إفراغ حماسة الشباب وقدراتهم في منطقة جغرافية. كذلك دعا الأصبحي إلى ضرورة التنبه من السيناريو الذي أعلنه الرئيس بأن اليمن سيتجه نحو الصوملة، وإعطاء الفرصة في مدن صغيرة وبعيدة نسبياً عن الحراك السياسي، لإنجاح هذا السيناريو من خلال إفراغ المعسكرات والسماح بنهب الأسلحة.
وبعدما أكد أن اليقظة مطلوبة، شدد على أن الأحزاب الكبيرة، وتحديداً الحزب الاشتراكي وحزب الإصلاح في المحافظات الشمالية، لديها القدرة البشرية لمنع أي سيناريو مماثل، وذلك من خلال توفير الحماية لمثل هذه المنشآت عبر تأليف لجان شعبية. وبعدما دعا الناس إلى إدراك أنهم أمام مهمة تبدو صعبة جداً، لكنها ممكنة.