يبدو أنّ العاصمة الاقتصادية لساحل العاج، المدينة الأهم في البلاد، أبيدجان، تترقّب في الساعات القليلة المقبلة، «المعركة الحاسمة». حاسمة لكلا طرفي الحرب الأهلية الدائرة في البلاد، الرئيس الذي يعترف المجتمع الدولي بشرعيته، الحسن واتارا، والرئيس الحالي الذي يرفض التنازل عن السلطة، لوران غباغبو. الأول يرى أنّ «هجوماً سريعاً» سينهي غباغبو، الذي بدوره استعاد معنويات معسكره، مع ما بدا أنه عودة قائد جيشه، الجنرال فيليب مانغو، إلى «بيت الطاعة». كل ذلك وسط إفساح القوى الغربية المجال أمام حليفها واتارا لإنجاز المهمة وإخراج غريمه من السلطة، بدليل غياب أي موقف دولي حقيقي من عواصم الدول الكبرى لوقف المذابح المستمرة في البلاد، التي أودت حتى الآن بحياة نحو 1500 شخص، بحسب أرقام الأمم المتحدة، التي اكتفت بإرسال مندوب عنها لإحصاء عدد الضحايا. واستمرّت يوم أمس المعارك الناعمة في أبيدجان بين جيشي الرجلين ومرتزقتهما على تخوم المدينة، بانتظار الساعة الصفر. وأكّد رئيس وزراء واتارا، غيوم سورو، أنّ الوضع «بات ناضجاً» لشن هجوم «سريع» على أبيدجان. وقال لقناة «تي سي إيه» التلفزيونية التابعة لمعسكر وتارا إن «الاستراتيجية كانت تطويق مدينة أبيدجان، وهو ما نجحنا في القيام به بالكامل. لقد أرسلنا جنوداً إلى داخل المدينة لمضايقة القوات الموالية لغباغبو وعناصر ميليشيات ومرتزقة». وتابع قائلاً: «نلاحظ بعد هذه المضايقة حالاً من الذعر العام لقوات غباغبو. الوضع بات ناضجاً لتحصل العملية سريعاً. لا تقلقوا بتاتاً». وتوقع سورو أن تكون العملية «سريعة؛ لأننا اكتشفنا العدد المحدد للدبابات الموضوعة في الخدمة (التابعة لقوات غباغبو) على الأرض. ينبغي للعاجيين الثقة بالقوات الجمهورية لواتارا».
وفي السياق، قال الضابط الذي يتولى قيادة قوات واتارا في أبيدجان، إسياكا واتاو واتارا، إنهم سيبدأون العمليات قريباً، جازماً بأن قواته «مزودة بما يكفي من الأسلحة للسيطرة على أبيدجان». وأحصى مراسلو وكالة «رويترز» عدة شاحنات تحمل مدافع رشاشة موجهة صوب أبيدجان ترابط على طريق سريع على مشارف المدينة.
وكشف واتاو أنّ عديد جنوده الذين سينفذون الهجوم الموعود يبلغ 4000 رجل، يساندهم 5000 آخرون موجودون أصلاً داخل المدينة. ورداً على سؤال عن المدّة الزمنية المطلوبة للسيطرة على المدينة، أجاب: «نعلم متى تبدأ، لكن قد يستغرق الأمر 48 ساعة على الأرجح لتطهيرها». وبعد سيطرتها السريعة على أجزاء شتى في البلاد، واجهت القوات الموالية لواتارا مقاومة شرسة في أبيدجان، رغم أنه كان متوقعاً أن تهزم قوات واتارا جنود غباغبو سريعاً في أعقاب انشقاق ضباط ذوي رتب عالية. لكن جنود الرئيس المتمسك بمنصبه تمكنوا من صدّ الهجوم حتى الآن، واستعادوا السيطرة على محطة الإذاعة الرسمية «آر تي آي». حتى إنّ فريق غباغبو يبث منذ أيام رسائل تهاجم فرنسا والأمم المتحدة عبر التلفزيون الرسمي. كذلك كوّن تنظيم «الوطنيين الشبان»، وهم جناح الشباب الموالي لغباغبو، سلسلة بشرية حول مقر إقامة رئيسهم والقصر الرئاسي.
يُذكَر أنه منذ مساء يوم الخميس الماضي، تدور معارك بالأسلحة الثقيلة في أبيدجان بين مقاتلي الرئيسين، حول آخر معاقل الرئيس المنتهية ولايته، بعد سيطرة معسكر واتارا على باقي أنحاء البلاد خلال أربعة أيام، ومن ضمنها العاصمة السياسية ياموسوكرو.
لكن يوم أول من أمس شهد تراجعاً في حدة العنف، حيث اقتصرت المعارك على إطلاق نار وانفجارات متقطعة في عدة أحياء. وغامر السكان الغاضبون بالنزول إلى الشوارع للحصول على المواد الغذائية والماء صباح أمس، بعدما اضطروا إلى البقاء في منازلهم بسبب القتال المتواصل.
وظهرت علامات الاستعداد لـ«الهجوم السريع» في الشوارع؛ إذ تجمّع مئات من الجنود الموالين لواتارا على مشارف أبيدجان، ونقلت وكالات الأنباء عن مراسليها سماعهم دوي انفجارات من اتجاه القصر الرئاسي، الذي يتحصّن فيه غباغبو المحاط بطوق بشري دفاعاً عنه.
في المقابل، تلقى معسكر غباغبو دعماً معنوياً بعودة الجنرال مانغو الذي إلى سبق أن لجأ إلى مقر إقامة سفير جنوب أفريقيا مساء الأربعاء، قبل أن يعود مساء الأحد ليجتمع بغباغبو، في ما يأمل أنصار الأخير أن يكون عودة لتسلم قيادة العمليات العسكرية. وعلى الفور، شعر معسكر واتارا بخطورة عودة مانغو، فندّد بـ«الابتزاز والضغوط» التي تعرض لها الجنرال.
وفي سياق عودة الرجال الأقوياء لغباغبو، ظهر زعيم «الشباب الوطني» شارل بليه غوديه مجدداً على التلفزيون، بعد غياب دام عدة أيام، ما عزّز شائعات عن احتمالات انشقاقه في حينها. وقال غوديه: «لست فاراً. إن شارل بليه غوديه هنا حيث يجب أن يكون. أقول عن الهجوم النهائي الذي أعلنه المتمردون ولم يقع بعد، إن هذا الهجوم سيأتي من جيش ساحل العاج (غباغبو)».
وبانتظار الحسم العسكري، كشفت فرنسا أنها بصدد إرسال 150 جندياً إضافياً من الغابون للمساعدة في حماية المدنيين في ساحل العاج. وبهذا، يصل مجموع الجنود الفرنسيين في ساحل العاج إلى 1650 جندياً، علماً بأنّ هناك نحو 12 ألفاً من الرعايا الفرنسيين في ساحل العاج، حيث تسيطر قوات بلادهم على المطار الدولي.
في هذا الوقت، وصل مساعد الأمين العام للأمم المتحدة المكلف حقوق الإنسان إيفان سيمونوفتش إلى أبيدجان «لتقويم الوضع العام»، بعد المجزرة التي حصلت في غرب ساحل العاج بحق مئات الأشخاص، والتي ارتكبتها قوات موالية لواتارا.
وقد تمكن 167 أجنبياً، بينهم فرنسيون ولبنانيون، من مغادرة ساحل العاج يوم الأحد، خوفاً على سلامتهم، متّجهين إلى السنغال وتوغو.
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي)