الخرطوم | مستبقةً ما سيخرج به منبر الدوحة من اتفاقيات، أعلنت الحكومة السودانية عزمها على إجراء استفتاء في دارفور بشأن وضع الإقليم الإداري خلال الشهر الجاري، ليختار سكانه ما بين الاستمرار في الوضع الإداري القديم أو تندمج الولايات وتأخذ اسم إقليم واحد، وذلك بعد وقت قصير من إعلان مؤسسة الرئاسة السودانية زيادة عدد الولايات الثلاث في دارفور لتصبح خمس ولايات بعد إعلانها عن ولايتي شرق ووسط دارفور.ورغم أن تمسك الحركات المسلحة بمطلب الإقليم الواحد، كان مطلباً رئيسياً على طاولة البحث في المفاوضات التي تستضيفها الدوحة، إلا أن إعلان الحكومة نيّتها إجراء الاستفتاء في توقيت يناسب مصالحها، ويتعارض مع واقع الإقليم، هو ما أثار سخط الحركات المتمردة التي أجمعت على رفض الاستفتاء، وطالبت بمقاطعته.
ورأت الحركات، في بيان أصدرته أول من أمس، أن المرسوم، الذي صدر قبل يوم واحد من زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى الدوحة، ضرب «عرض الحائط بكافة الالتزامات التفاوضية في منبر الدوحة، بحيث يُشكِّل الوضع الإداري الدائم لإقليم دارفور واحداً من ملفات التفاوض الأساسية بمنبر الدوحة»، مؤكدة رفضها الاعتراف بأي نتائج تنجم عن هذا الاستفتاء القسري والأحادي، بشأن موضوع قيد التفاوض، والمعالجة بإرادة مشتركة للأطراف المتعددة.
من جهته، أكد مسؤول العلاقات الخارجية في حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، لـ«الأخبار»، أن حركته جمدت التفاوض منذ الثلاثاء الماضي، تاريخ إعلان المرسوم، منتقداً إقدام الحكومة على حسم قضية مطروحة ضمن أجندة التفاوض بصورة أحادية.
ووفق منظور حركة «العدل والمساواة»، وهي الحركة الأقوى عسكرياً على الأرض، فإن الحكومة ساءتها جدية الحركات في التوصل إلى حل عبر التفاوض في الدوحة، معتبراً أن تصريحات مسؤول ملف دارفور، غازي صلاح الدين وإعلان الاستفتاء الأحادي، وحديثه عن أن وجود وفد الحكومة في الدوحة ليس بغرض التفاوض، علاوةً على تأكيده أن مخرجات منبر الدوحة غير ملزمة للحكومة، ربما أراد إفساد ما بدا له اتجاهاً جاداً من الحركة للانخراط في العملية السلمية، وحسم الصراع عبر المفاوضات.
ويشير المراقبون إلى أن تخوف الحكومة من أن تصبح دارفور إقليماً واحداً، مرده الى الخشية من أن يكون ذلك تمهيداً للمطالبة بتقرير المصير وتكرار ما حدث في جنوب السودان. وهو مطلب إن كان خافتاً لدى بعض الحركات، فقد جاهرت به أخرى كحركة تحرير السودان فصيل عبد الواحد نور، فيما ترى حركات أخرى أن الإقليم الواحد ربما يمهد للتمتع بحكم ذاتي على أسوأ الافتراضات.
ووفقاً لرؤية، حركة «العدل والمساواة»، فإن حكومة الخرطوم تريد الحكم المركزي ولا ترى سبيلاً لنظام غيره لحكم السودان المترامي الأطراف. ويرى جبريل «أن الحكومة في السودان استمرأت الحكم المركزي القابض، وتعجز عن التفكير في غيره، ولو كان مطلباً لقطاع عريض من الشعب».
أما حركة التحرير والعدالة، التي هي عبارة عن ائتلاف لعدد من الحركات المسلحة، شهدت الدوحة القطرية مولدها، فتنفي أن يكون لمناداتها بالإقليم الواحد تمهيد للانفصال، بل إنها تعمل من منطلق الاستفادة من تجارب من سبقها من الحركات التي وقّعت على اتفاق مع الحكومة.
أما الحكومة فأعلنت أن مرجعيتها القانونية في إعلانها قيام الاستفتاء في هذا التوقيت هو اتفاق أبوجا الموقّع في عام 2006، والذي ينص حسب ما ذكر مسؤول ملف دارفور غازي صلاح الدين على إجراء استفتاء في الإقليم بعد اثني عشر شهراً من قيام الانتخابات العامة في السودان.
إلا أن هذا المنطق تبيّن أنه غير كاف لإقناع الحركات المسلحة، بما فيها حركة جيش تحرير السودان الموقعة علي أبوجا. وفي السياق، انتقد المسؤول الإعلامي للحركة، الطيب خميس فرضيات الحكومة. وأكد في حديث مع «الأخبار» أن اتفاقية أبوجا نصّت في المادة (58) منها على تكوين المفوضية لتنظيم الاستفتاء على وضع دارفور، على أن تضع القانون والقواعد المنظّمة تحت إشراف الأمم المتحدة. وأضاف «لكن المؤتمر الوطني يريد الانفراد بالحل، وفاته أن السلام لن يتأتى إلا بإشراك أهل الإقليم والحركات المسلحة»، فيما ذهبت حركة العدل إلى أن السند القانوني للحكومة واحتكامها على أبوجا غير مبرر، باعتبار أن الطرف الآخر ـــــ حركة مناوي ـــــ تنصّلت من الاتفاق علناً، رافعةً السلاح مرة أخرى في وجه الحكومة. وقال جبريل «حديث الحكومة وتمسكها بأبوجا يبعث على الإشفاق. فالنص الذي يعوّلون عليه يشترط إجراء الاستفتاء قبل التاسع من تموز 2010 حداً أقصى. وبتر النصوص يقتل الثقة بالكامل، ويجعل إبرام الاتفاقات مع هذه الجهة في المستقبل أكثر صعوبة». وأضاف «أين هي اتفاقية أبوجا بعدما نعى الطرف الآخر الاتفاق، وخرج عنه على رؤوس الأشهاد».
ويرى خبراء أن الحكومة أرادت بزيادة عدد الولايات في دارفور كسب مزيد من الأصوات المنادية بالاستمرار في نظام الولايات، باعتبار أن كل مواطن سيشعر برغبة في استمرار حكم ولايته ومدينته، فيما بدا لدى البعض الآخر أن تعنت الحكومة واتخاذها للقرارات الفردية، ربما يؤدي إلى سعي الحركات للمطالبة بتقرير المصير. وهو ما رجّحه المتحدث باسم حركة التحرير والعدالة، عبد الله مرسال، بقوله «تخوّف الحكومة من المطالبة بتقرير المصير مشروع، لكن يجب عليها عدم تكرار الأخطاء مثلما فعلت في جنوب السودان، وهي إن لم تعط أبناء دارفور آذاناً صاغية، فإنني لا أستبعد ارتفاع الأصوات التي تنادي بتقرير مصير دارفور». وأضاف «لا يعقل أن ينشأ المؤتمر الوطني مفوضية الاستفتاء ويعيّن الموظفين ويضع الآليات التي تجري بموجبها العملية، وكل ذلك دون إشراك كل مكونات المجتمع الدارفوري الذي تمثل الحركات المسلحة جزءاً كبيراً منه».