أثار ظهور الأمين العام «القديم» لـ«جماعة الإخوان المسلمين» على فضائية «الجزيرة» القطرية، محمود حسين، استياءً واسعاً بين شباب «الإخوان» وأنصار القيادة الجديدة للجماعة، التي يتصارع على قيادتها «مكتبا إرشاد» و«لجنة إدارة أزمة»، يتمسك كل منهم بأحقيته في قيادة الجماعة. «مكتب الإرشاد» الجديد بقيادة أحمد عبد الرحمن يستند إلى انتخابات أجرتها الجماعة في مطلع 2014، فيما يرفض «الإرشاد» القديم الاعتراف بنتيجة هذه الانتخابات، مشدداً على أحقيته بإدارة الجماعة بقيادة المحمودين (عزت ـ حسين) وإبراهيم منير الموجود في لندن منذ 30 عاماً.
استياء الشباب الإخوانيين من ظهور حسين لم يقتصر على حرص الرجل على توصيف نفسه بـ«أمين عام الجماعة»، بل امتد لرفضه الاعتراف بنتيجة الانتخابات التي جرت في 2014، بالإضافة إلى حديث «ماسخ وممجوج» عن فقه المحنة والصبر على الابتلاء، وهو فقه «مازوخي» أدمنته قيادات الجماعة، التي تتعامل مع الأحداث باعتبارها قدراً محتوماً أصاب الجماعة «الربانية» التي لا يفترض أن تخطئ.
توعد التيار الشبابي الجديد بالتحريض على القيادات التي تؤثر السلامة

حسين، في حديثه الذي أجراه من تركيا، نفى إجراء أي انتخابات لمكتب الإرشاد «الجديد» من الأساس، ورفض كذلك الإقرار بما أعلنه المتحدث الرسمي باسم الجماعة والتابع لـ«الإرشاد» الجديد، محمد منتصر، الذي أعلن أن حسين لم يعد أميناً عاماً، وأن آراءه «لا تعبر عن الجماعة أو مؤسساتها». وأكد حسين أن «مرشد الجماعة حالياً هو محمود عزت الذي يدير الجماعة ويباشر أمورها، خاصة أنه بصحة جيدة وحر طليق».
والملاحظة الجديرة أن المحمودين، حسين وعزت، وإبراهيم منير، جميعاً خارج البلاد، والأخير مقيم في لندن منذ أكثر من 30 عاماً، فيما سافر حسين من مصر قبل 30 حزيران 2013، فيما خرج عزت في الأشهر القليلة الماضية.
حديث القيادي الإخواني على «الجزيرة» لم يرُق أحمد رامي (المتحدث باسم حزب «الحرية والعدالة» الجناح السياسي للجماعة)، الذي أعرب عن عجزه عن استيعاب «أن يقوم بمهمات الأمين العام للجماعة من يقيم خارج مصر»، متسائلاً عن سبب إصرار حسين على التمسك باللقب دون فعل مقتضيات شغله. لكن حديث حسين ليس السبب في ظهور الانشقاقات داخل الجماعة، وإن كان سيسرع وتيرتها نتيجة التفاعلات والحراكات داخل الجماعة، فضلاً عن عجز فريقه عن تقديم رؤية تتناسب مع ما يواجه الجماعة التي ترزح تحت وطء ضربات عنيفة للنظام المصري «أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وفكرياً».
وعملياً، سجل تيار «وأعدوا» أول حالة انشقاق من شباب الجماعة على طرفي الصراع، معلناً في بيان رسمي أنه لن ينحاز إلى أي من طرفي الصراع الدائر على قيادة الجماعة، وهم من وصفهم البيان بـ«القيادات الحالية» ويعني بها القديمة، والجهة الأخرى هي «ما أفرزته الانتخابات من قيادات»، أي القيادة الجديدة. هذا التيار الشبابي الأخير «وأعدوا»، دعا عبر صفحته على «فايسبوك»، إلى اتخاذ مسار «أكثر عنفاً دون الالتفات إلى طرفي الصراع».
ويتلاقى ذلك مع ما كشفته مصادر إخوانية لـ«الأخبار» عن أن التيار المذكور هو من قطاعات شباب الجماعة الذين قد يمهد خروجهم لانشقاقات أخرى ستطاول الجماعة لاحقاً، معبرة عن تخوفها من تبعات مثل هذه الانشقاقات على الصف الإخواني، في الوقت الذي تخوض فيه الجماعة «صراع وجود» مع النظام. وبيانات التيار الجديد تكشف عن ملامح هويته وانحيازاته، فالحديث عن «المنهج الجهادي الأصيل للجماعة»، و«مؤسسات القوة اللازمة لتأهيل الجماعة لخوض صراع دام وشرس»، يشير إلى نيته انتهاج القوة.
ولم يغفل منظّرو «وأعدوا» التنظيم وصفوفه من خطتهم ومطالبهم، فقد طالبوا بـ«تطوير مناهج التربية لدى الجماعة للخروج بأفرادها من مرحلة فقه الاستضعاف إلى مرحلة الجهاد والنصر وبناء الدولة والتمكين». وكذلك طالبوا بالتخلي عن تعامل الجماعة مع نفسها بطريقة محلية وقُطرية في وقت يعاديها الجميع بسبب أنها «جماعة عابرة للحدود»، مع تفعيل «التنظيم الدولي للجماعة وإعادة تشكيله بما يحقق لها قدرتها على التأثير في الوضع الإقليمي كوحدة واحدة لا تعترف بقُطر أو تؤمن بحدود».
وتوعد البيان التأسيسي لـ«وأعدوا» بأن «المصحف لن يكون بلا سيفين (شعار الجماعة)»، وأن «العين بالعين والذبح بالذبح والحرق بالحرق». واللافت أن هذا الخطاب يتقاطع مع رؤية مكتب «الإرشاد» الجديد، الذي لم ينتظر كثيراً ليدعو على لسان المتحدث باسمه محمد منتصر، من سمّاهم «شباب الثورة والوطنيين»، إلى «إنفاذ خطة إنقاذ الثورة والقصاص من القتلة، في سبيل استعادة الحرية والوطن»، وذلك تحت شعار «يناير إسقاط العسكر».
وأعلن التيار الجديد أن أمامه خمس مهمات هي: «نشر الوعي الجهادي والثوري بين قواعد الجماعة وعناصر الحركة الإسلامية قاطبة، وتأجيج روح الجهاد والمقاومة والثورة، والحث على اتباع المنهج المقاوم والثوري في كل الخيارات... والضغط الدائم والتحريض المستمر على القيادات التي تؤثر السلامة والأمان، والتنظير للعمل الجهادي والمقاومة وسوق الحجج بأنه الخيار الأقوم». واختتم تيار «وأعدوا» بيانه بالوعيد بأن «الجماعة لن تموت بعد اليوم على أعواد المشانق، بل ستراق دماؤها فى ساح الوغى والنضال والكفاح ونزال الطغاة».
في غضون ذلك، صدرت قرارات متتالية عكست حالة الصراع بين أطراف الجماعة، فقد قرر «الإرشاد» القديم، عزل المتحدث باسم الجماعة المحسوب على المكتب الجديد، محمد منتصر، من منصبه، وتعيين طلعت فهمي مكانه. وفهمي حائز درجة الدكتوراه في العلاقات الإنسانية، ويملك مدارس «الجزيرة» الإخوانية في الإسكندرية، وهو عضو في لجنة «التربية» في الجماعة، ما يعني أنه محسوب تلقائياً على المكتب القديم.
هذا القرار صدر بتاريخ أول من أمس، برغم تأكيد قيادات إخوانية في الداخل والخارج أنهم لم يتسلموا أي قرارات يوم الأحد، مع أن تاريخ إرساله من البريد الإلكتروني لـ«إخوان لندن»، المحسوبين على المكتب القديم، هو تاريخ أمس (الاثنين). ووفق المعلومات، فإن تأريخ البيان بيوم سابق يأتي في سياق رغبة القيادات القديمة في منع الربط بين تصريحات منتصر التي دعا فيها إلى «إسقاط العسكر في يناير»، وقرار إزاحته من منصبه. كذلك قررت مجموعة حسين وعزت إقالة مسؤول قسم الطلاب ومسؤول اللجنة الإعلامية وتجميد عضويتهما، وأيضاً تجميد محمد كمال (عضو مكتب الإرشاد) بعد التحقيقات بشأن القرارات التي صدرت عنه خلال العام الماضي خلال قيادته الجماعة من مصر ممثلاً عن المكتب الجديد.
وفي وقت لاحق، أصدر «المكتب الإداري لإخوان الإسكندرية» بياناً أعلن فيه «التزامهم المنهج الثوري الكامل» المستمد من فكر الجماعة وأدبياتها. ورفض المجلس «أي قرارات لأي شخص أو قيادة مهما كان موقعها»، مشدداً على أنه ملتزم القرارات الشورية التي تعبّر عن «الإخوان الصادقين والمجاهدين في ميادين الثورة» لا «القرارات الفردية». وهذا يعني أن إخوان الإسكندرية قرروا الانحياز إلى المكتب الجديد، في مواجهة القديم، لتتسع هوة الخلافات بين الطرفين، وتنذر الأمور بمزيد من التفسخات داخل صفوف الجماعة.