القاهرة ــ الأخبار أربعة مشاهد حدثت في مصر بعد ثورة 25 يناير تكشف إلى حدّ بعيد سرّ «ذعر» المصريين من الجماعات السلفيّة التي طفت على سطح الأحداث في الفترة الأخيرة، لا تطالع جريدة أو تشاهد فضائية إلا يكون السلفيون في قلب المشهد. انشغل الجميع في محاولة حل لغز الجماعات التي كانت أليفة ومستأنسة طوال حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وهم الآن يشهرون الأنياب في وجه كل منتقديهم. والأنياب تتنوع ما بين الإيذاء البدني، كما حدث مع قبطي في قنا جنوب القاهرة، أو إشهار سلاح التكفير في وجه من يعترض أو يعارض توجهات هذه الجماعات، كما حدث بعد الاستفتاء. إنها الردة على مطالب الثورة التي رفعت شعار «مدنية الدولة» في مواجهة العسكر والجماعات الإسلامية. «الثورة تختطف على أيدي من اعتبروها في البداية فتنة يجب وأدها»، بحسب وصف أستاذ علوم سياسية.
تلخص هذه المشاهد المؤلمة كيف تملّك الخوف من عقل وقلب بعض المصريين بسبب تتابع هذه المشاهد على نحو مزعج، وتباطؤ المجلس العسكري، الحاكم الفعلي للبلاد، ومن قبله الأزهر الشريف منارة الإسلام. الكل الآن يسمع ويرى فتاوى وتصريحات شيوخ السلفية، ولا يريد أو يخشى التصدي لها، في مشهد لا يقلّ غرابة.
المشهد الأول بطله أحد أقطاب السلفية في مصر، الشيخ محمد حسين يعقوب، الذي ظهر بعد يوم واحد من إعلان الموافقة على التعديلات الدستورية، معلناً أن «غزوة الصناديق» حسمت لمصلحة الإسلاميين وهزم فيها العلمانيون، قائلاً: «الناس قالت آه للدين ولأ للعلمانية والمدنية، دي بلدنا واللي مش عاجبه يهاجر». بهذه الكلمات لخص يعقوب وجهة نظر السلفيين في إقصاء المخالفين لهم في الرأي والرؤى المطالبة بمدنية الدولة. ورغم تراجع الشيخ عن تصريحاته لاحقاً، إلا أن ردود الأفعال بيّنت أن هذه الجماعات تسير في اتجاه فرض الوصاية على المجتمع وتدجينه.
المشهد الثاني جرى في مدينة قنا جنوب مصر، عندما اتصلت مجموعة من السلفيين بقبطي يدعى أيمن أنور متري، ليخبروه بأن شقته التي يؤجرها لامرأة تشتعل فيها النيران. وعندما وصل فوجئ بثمانية منهم يعتدون عليه أمام رجل شرطة كان بصحبته، وفشل في الدفاع عنه، واصفاً المشهد بأنه كان «فظيعاً ولا يطاق». قطع السلفيّون المتشددون أذن أيمن، ثم اتصلوا بضابط شرطة وأخبروه أنهم سيقتلون القبطي لو رأوه في الشارع. ولم يكتفوا بما حدث، بل عمدوا الى تحطيم سيارته، مبررين ذلك بأنه يؤجر إحدى شققه في العقار لامرأة سيئة السمعة، وأنهم حذّروه من قبل ولم يستمع إليهم.
لم يلق القبض على الجناه الذين أرشد عنهم المجنى عليه، وأخبر الشرطة بأسمائهم (حسين وعلاء) وأوصافهم. كل ما فعلته الجماعة السلفية في قنا أنها استنكرت ما حدث وطلبت عقد جلسة صلح، ثم قابل شيخ الأزهر المجنى عليه واعتذر له. واكتفى المجلس العسكري بالصمت تجاه واقعة تمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان.
أما المشهد الثالث فكان خروج مشايخ السلفية والمطالبة بوجود «شرطة دينية» تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، على غرار ما يحدث في السعودية. وهي الدعوة التي قوبلت بغضب شديد، لأنها جاءت في نفس التوقيت، الذي انتشرت فيه رسالة على موقع «أنا سلف»، تحذر الفتيات والسيدات اللاتي لا يرتدين الحجاب وتتوعدهن بتشويه وجوههن. انتشرت حالة من الذعر، وكان هذا هو المطلوب من الرسالة، التي اختفت من على صفحة الموقع بعد ساعه تقريباً، لتحلّ بدلاً منها رسالة أخرى تتبرأ من الأولى، وتؤكد أن الجماعة ملتزمة بالمنهج السلمي، لكنها «تهيب» بالأخوات عدم السفور والالتزام بتعاليم الدين الحنيف. لم تفرق هذه الرسالة بين المسلمة والمسيحية، والتزم العسكر وعلماء الدين الصمت، كما التزموه في المشهدين السابقين، ليفترس الذعر سيدات مصر خوفاً وهلعاً من تهديد المشايخ.
المشهد الرابع لا يزال قائماً، حيث خرجت خلال الأيام الماضية مجموعات من شباب السلفيين في عدد من المحافظات، وقامت بهدم عدد من الأضرحة (أربعة في قليوب شمال القاهرة، وآخر في مدينة تلا، وثالث في كفر الشيخ)، فيما عرف فى الإعلام بـ«موقعة الأضرحة». وعندما هاجم مفتي الجمهورية علي جمعة هذه الأفعال، واصفاً إياها بأنها تتنافى مع روح الإسلام السمحة التي تجلّ الأولياء وتقدرهم، ردت عليه الجماعة بأنه «متصوف ودرويش»، وطالبت باستبعاده من المنصب.
إلى هذا الحد، تعمل الجماعة على الأرض، ولا تلتفت الى الأصوات العاقلة التي تطالب بعدم إقحام الدين في الأمور السياسية، ومع كل نقد يوجه للسلفيين يردون عليه بعنف شديد في ندواتهم ومؤتمراتهم التي زادت في الفترة الأخيرة على الألفي مؤتمر، طبقاً لإحصاء مركز معلومات رئاسة الوزراء.
هذه المشاهد توضح كيف يتحرك السلفيون في الشارع المصري الآن. يحملون المصاحف في وجوه الناس وعلى لسانهم جملة واحدة: «نريد إقامة حدود الله وشرعه»، ولسان حال المطالبين بدولة مدنية «لسنا كفار قريش، ولستم أصحاب النبي».