المنامة | لا يزال المواطن البحريني يعيش صدمة ما يحدث في مملكته. لم يستطع أحد بعد أن يهضم كل هذه الأنباء التي تتوالى لحظة بلحظة عليه. كثيرون فضلوا الابتعاد عن شاشات التلفزة والمواقع الإلكترونية، لأن العقل والروح لم يعودا يتقبلان أن يسمعا أكثر: مفصولون، معتقلون، مداهمات، محاصرة لقرى ومستشفيات، هدم مساجد، إهانات بالجملة على الهوية، قبل أن يصل النبأ الأشد سواداً، سقوط قتلى داخل سجن السلطة.
كان الثالث من نيسان هو موعد إعلان سقوط القتيل الأول لثورة البحرين من داخل السجن، حسن جاسم مكي 39 عاماً. آثار التعذيب كانت واضحة عليه أكثر من أي شيء آخر، حينما أُودع جثمانه المغتسل. وما عاد بالإمكان أن تنطلي على العالم الحرّ بيانات الطبيب الشرعي ووزارة الداخلية البحرينية، فيما تتكلم الصورة من قلب الحدث وتنشر الوقائع لحظة بلحظة على شبكات التواصل الاجتماعي، داحضةً حجة وفاته من مرض السكلر (فقر الدم المنجلي).

وشيّع أهالي كرزكان والمواطنون القتيل مكي بغضب كان يُلمح في وجوه المشيّعين وصرخاتهم، فيما عمدت السلطات الأمنية الى وضع نقاط تفتيش لمنع وصول الناس إلى التشييع، فضلاً عن إهانتهم أو ضربهم كما يحصل عادةً منذ ما بعد انتفاضة 14 شباط.
مساء التاسع من نيسان كان مختلفاً. صدر بيانان لوزارة الداخلية البحرينية. الأول أُعلنت فيه وفاة علي عيسى صقر (31 عاماً) من منطقة السهلة، وبعده بأقل من نصف ساعة أعلنت الداخلية أيضاً في بيان لها وفاة زكريا راشد العشيري (40 عاماً) من قرية الدير، أما الروايات فكانت كالآتي: ادّعت وزارة الداخلية بأنّ الأول (صقر) قضى بعدما أحدث فوضى في مركز التوقيف، فحاولت الداخلية تهدئته باستخدام الوسائل المناسبة، لكنّه قاوم ما اضطر رجال الأمن الى مواجهته فتُوفي أثناء مقاومته لهم، فيما الثاني (العشيري) قضى نتيجة إصابته بمرض السكلر.
لكن «الأخبار» التقت بأحد الذين أُطلق سراحهم أخيراً من الموقوفين في سجن الحوض الجاف (الحد ـــــ المحرق) الذي سقط فيه القتيلان الأخيران. وروى ظروف اعتقاله والضرب المبرح الذي تعرّض له منذ دخوله إلى سيارة الأمن حتى وصوله، ومحاولة صعقه بالكهرباء، فيما لوحظت عليه آثار الكدمات في أجزاء كثيرة من جسمه. يقول الشاهد «جرى تقييدنا لحظة اعتقالنا (من مقرّ عمله) وقد غطّيت وجوهنا ولم نتمكن من معرفة إلى أين نحن متجهون». ويتابع «جرى التحقيق معنا، فيما نتعرض للضرب المبرح والتعذيب بأعين مغلقة. لم نعرف من يضربنا. وبعد حوالى أربع ساعات من التحقيق معنا، اقتادونا إلى الزنزانة. هناك علمنا أننا ثلاثة أشخاص وجميعنا نعمل معاً في الشركة نفسها، فيما كانت أعيننا مضمّدة وأيدينا مقيّدة إلى الخلف».
رواية هذا الموقوف تتطابق مع روايات جميع المعتقلين المفرج عنهم. جميعهم يؤكّدون أنهم لم يروا شيئاً منذ لحظة دخولهم سيارة الأمن حتى لحظة خروجهم منها، وإن كانت هناك من قدرة على تحديد المكان الذي احتجزوا فيه، فإنه من خلال تقديرهم للمسافة التي قطعوها من أماكن اعتقالهم حتى لحظة وصولهم.
وهذه الرواية تدحض في الوقت نفسه رواية وزارة الداخلية عن القتيل صقر، والادّعاء بأنه أحدث الفوضى والشغب، إذ كيف يمكن من يقبع في الزنزانة مكبّلاً منذ لحظة اعتقاله أن يحدث فوضى وشغباً ويقاوم رجال الأمن لاحقاً حينما يحاولون تهدئته، على حدّ زعمهم؟
أما القتيل «العشيري» فقد التقت «الأخبار» مع عائلته التي أكّدت أن الفقيد لم يعان من مرض السكلر ولا من أي مرض مزمنٍ آخر. وقد أذاعت جمعية «الوفاق» الوطنية الإسلامية المعارضة لاحقاً أن عائلة العشيري طلبت تشريح جثة الفقيد في مستشفى السلمانية، ولم تسمح النيابة العامة بذلك، ما استدعى تأجيل مراسم التشييع، والإعلان عن تشييعه اليوم.
وسقوط قتلى في السجون ليس ظاهرة جديدة في البحرين، فهو يذكّر الشعب البحريني بأزمة التسعينيات التي قضى فيها العشرات قتلاً تحت وطأة التعذيب. ويؤكد مركز البحرين لحقوق الإنسان، برئاسة الناشط الحقوقي نبيل رجب، أن جميع المعتقلين المفرج عنهم تعرضوا للتعذيب، وأنّ تعاطي النظام مع المعتقلين السياسيين منذ عام 2007 لم يتغيّر. ويبدي المراقبون قلقهم الشديد لسرعة سقوط الضحايا داخل السجون، إذ إن هذا يعطي مؤشراً خطيراً عن التعذيب الوحشي الذي يتعرّض له أكثر من 500 معتقل بحريني.