لو كان هناك مجال لتقويم تعاطي السلطات البحرينية، ومن ورائها الخليجية مع انتفاضة 14 شباط لأُعطيت درجة 10/10. لقد نجح الملوك والأمراء حتى اللحظة في إخماد نار الثورة الشعبية، لكنّه نجاح مرحلي؛ لأنّ العلاج انطوى على الكيّ، فولّد آثار حرق عند طائفة بعينها لن يمحوه التجميل. ويصف مصدر معارض بحرقة هذه النتيجة بالقول: «لقد خسروا (آل خليفة) حبّ الشعب». لهذا يُعتقد أن يختتم حكام المملكة الحملة بفتح باب الحوار وفق شروطهم الخاصة، ويقدّموا عبره إصلاحات تظهر كأنها منّة من الملك للشعب، لكن بعد الإمعان في تركيع الشعب وتأديبه، على حدّ وصف مصادر مطلعة لـ«الأخبار».

أما الدول الخليجية، التي استدعتها البحرين وأزمتها لرفع مستوى الإنذار إلى الأحمر، فتُدرك أيضاً أن الأزمة لم تنته بعد وأنّ الوقت سيحين كي تتدخّل لكتابة النهاية. وقد ذكرت المصادر في هذا السياق أنّ دول مجلس التعاون المجتمعة قبل أيام في الرياض لبحث الأزمة اليمنية، اتفقت على أنّه عندما تضع اليمن على سكّة الحلّ ستنتقل إلى البحرين، وحتى هذا الوقت تكون السلطات البحرينية قد استكملت خطوات ضربتها الأمنية.
وفي تتبع الخطوات الحكومية للتعامل مع انتفاضة 14 شباط، يُلحظ ما يأتي: أنّها بدأت بضربة أمنية قاسية في فجر اليوم الرابع للانتفاضة الخميس، كانت أشبه بجس نبض على الأرض، قبل أن تهدأ وتفسح المجال للعمل السياسي على مدى أسابيع، تخلّله تقرّب ولي العهد الأمير سلمان من المعارضة وقرب التوصل إلى افتتاح حوار وطني في قضايا إصلاحية تمهّد للملكية الدستورية، قبل أن يبادر حكام المملكة إلى تقديم تنازلات بإقرار العفو والسماح بعودة حسن مشيمع، الزعيم المتشدّد لحركة «حق». عودة رأت فيها مصادر متعدّدة للمعارضة أنّها كانت بمثابة فخ نصبته السلطة للانتفاضة. وتقول هذه المصادر لـ«الأخبار» إنّه مع عودة مشيمع بدأ العدّ العكسي لتنفيذ الضربة الأمنية. لقد أرخت السلطة الحبل كي تعلو الأصوات المتطرّفة، بل مهّدت لمسيرة الرفاع، حيث قصور الأسرة المالكة والعائلات السُّنية الداعمة لها، التي كانت صفارة الإنذار للبدء بالحملة الأمنية.
وتحدث أكثر من مصدر في المعارضة بأجنحتها الشيعية واليسارية، لـ«الأخبار» عن الدور المباشر لهذه المسيرة في تصفية الانتفاضة. ويقول مسؤول في المنبر التقدمي (يسار) إن الجناح المتشدّد من المعارضة مغامر ومتهور، وهو من دفع الأمور إلى هذا المنزلق.
بعدها انطلقت الحملة الأمنية. الخطوة الأولى، دخول قوات «درع الجزيرة» الخليجية بذريعة حماية الأمن الخليجي من التدخل الإيراني. الخطوة التالية كانت فرض الأحكام العسكرية، ثم ما قالت إنه عمليات «تمشيط وتطهير من العناصر المشاغبة»، وتعني بذلك قمع الاحتجاجات. وتوالت بعدها باقي الخطوات. وشنّت حملة اعتقالات واسعة شملت قيادات للمعارضة، وأقامت حواجز أمنية وسلّطت البلطجية على المحتجين.
ونجحت السلطة، إلى حدّ كبير، في تطييف الاحتجاجات. شنّت حملة واسعة على الصحافيين والناشطين الحقوقيين، فرضت عقاباً جماعياً على الشيعة في مختلف المجالات، واستهدفت قطع الأرزاق وحرمانهم الامتيازات، فأُوقفت بعثات دراسية وجرى فصل جماعي من العمل. قبل يومين فقط فُصل 400 شخص من العمل، وفقاً للمصادر. وطالت الحملة النواب المستقيلين والسابقين. وتقول المصادر إنه طُلب من النواب المستقيلين (عن كتلة «الوفاق» وهم 11 قُبلت استقالتهم من أصل 18) إعادة جوازاتهم الدبلوماسية لاستبدالها بجوازات عادية، وهذا أمر مخالف للقانون الذي ينص على أن النائب السابق وعائلته يحملون جوازات دبلوماسية.
وكشفت هذه المصادر أنّه صدر قرار أخيراً بتجميد تسليم أكثر من 500 وحدة سكنية جاهزة في سالمباد، كانت قد بنتها الدولة لإسكان مواطنيها. وأضافت أن الدولة «تنوي إعطاءها لمجنسين مكافأةً لهم على البلطجة التي أنجزوها خلال قمع الانتفاضة». ولفتت إلى وجود تطور خطير من شأنه أن يؤزّم الوضع، يتمثل بتسليح السلطة المجنسين والبحرينيين بأسلحة خفيفة «استعداداً لحرب أهلية محتملة».
وتحدّثت المصادر عن هدم المساجد، مشيرةً إلى إلغاء تصاريح بناء 3 جوامع شيعية قبل يومين. هذا فضلاً عن حملة التحريض الطائفي التي يتولاها رجال الدين عن منابر المساجد. ولفتت إلى الخطبة التحريضية الأخيرة لعبد اللطيف محمود، رئيس التجمع الوطني، التي قال فيها إن ما فعلوه (في الانتفاضة) هو «من ضمن العقيدة الشيعية تمهيداً لظهور المهدي».
وتقول المصادر إن التجمع أنشئ «ليكون قوة طائفية تخلق حالة توازن مع المعارضة. ومن سُخريات هذه الحملة تدمير دوار اللؤلؤة ومسحه عن وجه البسيطة وإقامة إشارات ضوئية، وأطلقوا عليه اسم تقاطع عمر بن الخطاب».
وتشدّد هذه المصادر على أنّ الهدف النهائي من هذه الحملة هو تركيع الشيعة وتأديبهم، وهو أمر تتفق معه مصادر أخرى من المعارضة اليسارية، التي تقول إن استهدافهم كان بادّعاء تأديبهم لـ«عدم ولائهم».
لكنّ هذه المصادر اليسارية لا توافق على أنّ حملة النظام على المعارضة أساسها طائفي، وتقول إن الصراع في المملكة في الدرجة الأولى هو طبقي. وتشير إلى أنّ النظام قبلي وعشائري وقد نسج دائرة نفوذ عشائرية لحمايته، ومكّن هذه الطبقة كي يضمن بقاءه ويحمي مصالحه. وليس دقيقاً أن الطائفة الشيعية فقط من تتعرض للتمييز والتهميش «فنائب رئيس الحكومة شيعي وكبار وجهاء البلد شيعة»، لكن النظام وظف الورقة الطائفية لتحقيق أهدافه، انطلاقاً من مبدأ «فرق تسد»، بحسب المصادر نفسها.
بعد تطييف الأزمة، انتقلت السلطة إلى مرحلة تفكيك المعارضة وتجزئتها بغرض الاستفراد بكل منها، وهو ما تجسّد واقعاً من خلال انشقاق الجمعيات السبع، وخروج 3 جمعيات يسارية (وعد، المنبر، التجمع) ببيان مستقل لتميّز فيه موقفها عن الجمعيات في ما يتعلق بدخول قوات «درع الجزيرة» وإيران.
لقد نجح مخطط بذر الشقاق داخل صفوف المعارضة، الذي بدأ أولاً بتحميل الجناح المتشدّد، ممثلاً بمشيمع، قبل أن يتوسع الشقّ ليوقع الجمعيات السبع. وتجري داخل الغرف المغلقة لهذه الأطياف أحاديث عن تبادل الاتهامات ورمي كل طرف مسؤولية فشل الانتفاضة على الآخر. وهي أحاديث تشارك فيها أيضاً الحركات المنفية وغير المرخصة.
تقول مصادر في جمعية «الوفاق»، التي تتمتع بأكبر شعبية، إنّ الهدف من كل هذا هو عزل «الوفاق» للاستفراد بها، ودفعها في ما بعد إلى القبول بأي صيغة للحوار.

محميّة سعوديّة
التدخل السعودي في البحرين لا يقتصر على الدخول العسكري والمشاركة في إطفاء شعلة انتفاضة 14 شباط، بل تعدّاه إلى محاول إسقاط الوهابية على الحياة الاجتماعية والدينية البحرينية. لكن أولى عقبات هذا المخطط تقوم على أن البحرين بالنسبة إلى السعوديين منتجع سياحي، إلى حد أن البعض يصف الأرخبيل بأنّه «الماخور السعودي».
ويتحدث مصدر مطلع عما يجري في البحرين من تطبيق للنمط الوهابي السعودي في المملكة الخليجية، وما يُصار من إزالة الأضرحة، وخاصة التابعة للأولياء والأئمة، والشواهد التي توضع على القبور تخليداً لذكرى الميت، وتعدّها الوهابية منافية للشريعة الإسلامية.
وتقول المصادر إن البحرين ليس لديها مشكلة في أن تكون تابعة للسعودية في مختلف المجالات، دينياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً، لكنّها تريد أن تحصل مقابل ذلك على الثمن. ولفتت إلى أن وزير الديوان الملكي خالد بن أحمد آل خليفة، الذي كان قد غادر قُبيل بدء الضربة العسكرية ودخول قوات «درع الجزيرة» إلى لندن، زار قبل أيام السعودية والتقى الملك عبد الله ورجع إلى البحرين برسالة مكتوبة إلى الملك حمد. وقالت إن المنامة طلبت من الرياض أموالاً، مشيرةً إلى أن الأخيرة لا تمانع في أن تدفع رواتب لكل البحرينيين الذين لا يتجاوز عددهم بضع مئات من الآلاف.
وتتطرّق المصادر إلى علاقة المعارضة مع ولي العهد، وتقول إنه لم يوافق على الضربة الأمنية، وأن خطابه الأخير كان «مهزوزاً» وأنهم أخرجوه (الجناح المتشدّد) فقط ليقول ما يريدونه كي يحافظ على موقعه. وترى أنّ السعودية لا تريد ولي العهد لأنه ليبرالي ومنفتح ومقرب من الأميركيين، وهي لا تريد شخصاً يتقرّب من الشيعة. وتقول إن ما طُبِّق أخيراً في البحرين «ليس من تفكير آل خليفة. إنه لآل سعود».
وتشير هذه المصادر إلى أنّ ما جرى في البحرين كان طعماً أميركياً لإيران؛ إذ إنّ أيّ حرب مقبلة في المنطقة ستكون في غير مصلحة إيران. ورأت هذه المصادر أنّ أميركا أرادت أن تستفزّ إيران من خلال ضرب الشيعة في البحرين، كي تجرّها إلى المواجهة.



«البحرين امتداد للسعودية»


رأى رئيس مجلس الشورى السعودي الشيخ عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، أمس أن البحرين هي امتداد للسعودية وأن السعودية امتداد للبحرين. وأضاف، خلال استقباله رئيس مجلس النواب البحريني خليفة بن أحمد الظهراني (الصورة)، الذي يقوم على رأس وفد بجولة خليجية لعرض تطورات الأوضاع في البحرين، أن ما قامت به السعودية واجب وطني «وهي لم ولن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أمن البحرين واستقرارها».
بدوره، شكر الظهراني السعودية على «وقفتها الكبيرة مع البحرين»، التي «أسهمت كثيراً في دعم البحرين واستعادة أمنها واستقرارها»