شهدت بعض المدن السورية، أمس، تظاهرات استجابة لدعوات ناشطين على صفحة الفايسبوك لـ«أحد الجلاء»، تزامناً مع عيد جلاء الاحتلال الفرنسي. ولم تمرّ تلك التظاهرات من دون دماء، على عكس تظاهرات الجمعة، إذ أعلن ناشطون أن 3 قتلى سقطوا في منطقة تلبيسة قرب حمص، وهو ما أكدته مصادر إعلامية رسمية. وذكرت قناة «الإخبارية» السورية أن أحد عناصر قوات الأمن السورية قتل وأصيب 11 آخرون جراء إطلاق النار في مدينة حمص.
وقالت القناة إن «قوات الأمن لدى حضورها لتفريق متظاهرين في منطقة باب سباب في حمص تعرّضت لإطلاق نار من فوق المباني المحيطة، فقتل أحد عناصر قوات الأمن الجنائي، الذي يتبع لوزارة الداخلية، وأصيب 11 آخرون إصابات مختلفة».
وفي سياق متصل، قال شهود عيان إن تظاهرات شهدتها مدينة تلبيسة في محافظة حمص أصيب فيها عدد من المتظاهرين.
وفي مدينة اللاذقية، خرجت تظاهرة بالشموع عقب تشييع أحد أبناء حيّ (العيوينة) الذي توفي أمس بعد إصابته في الأحداث الأخيرة. وقال شهود عيان إن المتظاهرين انطلقوا وهم يحملون الشموع من أمام جامع خالد بن الوليد باتجاه منطقة الصليبة وهم يهتفون «واحد واحد واحد الشعب والجيش واحد»، مؤكدين أنهم «سمعوا صوت إطلاق أعيرة نارية».
وفي بلدة المعضمية، غربي العاصمة دمشق، انطلقت تظاهرة شارك فيها أكثر من ألف شخص وهم يهتفون «الله سورية حرية وبس». وقال شاهد إن محتجين سوريين رددوا شعارات طالبوا فيها بحريات أكبر في تجمع لمناسبة ذكرى الاستقلال في السويداء. وهتف مئات المحتجين «الله... سوريا... حرية وبس».
وقال مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، مازن درويش، إن «خمسة متظاهرين معارضين أصيبوا بجروح، حين شن أنصار الرئيس هجوماً على تظاهرتين مناهضتين للنظام». ولفت إلى أنه «جرت تظاهرة مماثلة في التوقيت نفسه، شارك فيها عدد أقل من الأشخاص في بلدة القرية، مسقط رأس سلطان باشا الأطرش (قائد الثورة السورية الكبرى)، وهوجمت بالطريقة نفسها، ما أدّى إلى إصابة ثلاثة متظاهرين بجروح، بينهم هاني حسن الأطرش، حفيد سلطان باشا الأطرش».
وفي حلب، قال ناشط حقوقي إن مئات المحتجين الذين يرددون «الشعب يريد الحرية»، تجمّعوا عند قبر زعيم الاستقلال إبراهيم هنانو. كذلك تظاهر نحو 150 شخصاً من الجولان السوري المحتل في مجدل شمس تضامناً مع الحركة الاحتجاجية التي تشهدها مناطق سورية عدة.
وإلى درعا، أعلن شاهدان أن آلاف الأشخاص شاركوا في مسيرة وهم يهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام». وفي دوما، قال ناشطان حقوقيان إن 1500 شخص نظموا اعتصاماً في الميدان الرئيسي للمطالبة بالإفراج عن 140 شخصاً من سكان المنطقة، وأوضحا أنه «أُفرج عن المعتقلين بعد حلق رؤوسهم حتى يتسنى لقوات الأمن معرفتهم بسهولة إذا انضموا إلى احتجاجات في المستقبل».
وأيضاً في بانياس، أعلن شهود وناشطون في حقوق الإنسان أن آلاف الأشخاص شاركوا في تشييع أسامة الشيخة (40 عاماً)، الذي توفي متأثراً بجروح أصيب بها في العاشر من نيسان الماضي. وأضافوا إن «المشيّعين كانوا يهتفون بشعارات تنادي بالحرية، ومناهضة للنظام والحزب الحاكم».
تشييع آخر شهدته بلدة حراك للجندي محمد علي رضوان القومان، حيث ردد المتظاهرون هتافات تدعو إلى إطاحة الأسد. ويبدو أن عدوانية الهتافات سببها الاعتقاد بأن الجندي تعرّض للتعذيب على أيدي قوات الأمن.
اللافت أنّ هذه التظاهرات جاءت غداة تعهّد الرئيس السوري بشار الأسد، خلال ترؤسه الاجتماع الأول للحكومة الجديدة عقب أدائها اليمين الدستورية أول من أمس، رفع حالة الطوارئ المفروضة على سوريا منذ 48 عاماً خلال الأسبوع المقبل. وأضاف «عندما تصدر هذه الحزمة لا تعود هناك حجة لتنظيم التظاهرات في سوريا، والمطلوب مباشرة الأجهزة المعنية، وخصوصاً وزارة الداخلية في تطبيق القوانين بحزم كامل، وليس هناك أي تساهل مع أي عملية تخريب».
وتابع الأسد أن «الاستقرار يبقى أولوية». وأضاف «أعتقد أن رفع حالة الطوارئ، بعكس وجهة نظر البعض الذين يعتقدون أنه سيؤدي إلى خلل في الأمن، سيؤدي إلى تعزيز الأمن في سوريا والحفاظ على كرامة المواطن». وشرح أن «القانون الأخير الذي اقترح ضمن حزمة القوانين هو السماح بالتظاهر لأن الدستور السوري يسمح بالأمر، لكن ليس لدينا قانون كي ينظم عملية التظاهر»، لافتاً إلى أن «هذا الإجراء عملي لأن الشرطة لم تهيَّأ لمثل هذه المواضيع».
وعن الرهان الخارجي، قال الرئيس السوري إنه فشل، مشدداً على الرغبة في فتح حوار موسّع مع جميع الأطراف، وعلى أن حزمة القوانين الجديدة ستؤدي إلى توسيع المشاركة مع زيادة الحريات في سوريا. وعلّق على قانون منح الجنسية للأكراد، مشيراً إلى أنّ من شأنه «تعزيز الوحدة الوطنية في سوريا، وعلى الحكومة الجديدة أن تتابع الإجراءات من أجل إنجاز مضمون هذا القانون». كذلك، أعلن أن قانون الأحزاب «مهمّ جداً وله حساسية خاصة لأنه يؤثر في مستقبل سوريا جذرياً، لذلك يجب أن تكون دراسته وافية». ووصف قانون الإعلام الجديد بأنه «عصري»، وقال إنه «في مراحله الأخيرة».
وحدد الأسد إحدى أهم المشاكل التي تعصف بالشباب، وهي البطالة. ودعا إلى اعتماد مشاريع سريعة تعالج هذه المشكلة، وما وصفه بـ«إحباط ويأس» الشباب العاطل من العمل. وانتقد بعض الظواهر التي تتفشى في المجتمع السوري، والتي قال إنها تمثّل عامل تهديد لاستقرار البلاد، ومن هذه الظواهر الرشوة والبطالة والفساد.
وكان لافتاً تأكيد الأسد أهمية كرامة المواطن السوري، إذ قال إن «الإصلاحات مهمة جداً، والكثير منها لا تظهر نتائجها إلا متأخرة»، مشيراً إلى أن «المواطن بحاجة إلى خدمات وأمن وكرامة، وكل هذه العناصر مرتبطة بعضها ببعض». ودعا إلى التخلص نهائياً من «الإهانات» التي يتعرّض لها المواطن السوري مثل الإهمال و«تأخير معاملة له في دائرة، وطلب الرشوة».
وتطرق الأسد الى المواجهات بين المتظاهرين ورجال الأمن، وقال إن «لجنة التحقيق تستمر في عملها لمعرفة أسباب ما حصل وتحديد المسؤولين ولاحقاً تحاسبهم». ورأى أن جميع السوريين الذين سقطوا خلال المواجهات الأخيرة، سواء كانوا من العسكريين أو المدنيين، هم «شهداء».
وفي ردود الفعل، رحّبت بريطانيا بتعهد الأسد رفع حالة الطوارئ. ونسبت صحيفة «صندي اكسبرس» إلى وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، قوله «أرحب بإقرار الأسد في خطابه بأن الإصلاح في سوريا أمر ضروري وعاجل لمعالجة التطلعات المشروعة للشعب السوري».
وكانت السلطات السورية قد أفرجت عن معتلقين من أهالي دوما. وأعربت الرابطة السورية للدفاع عن حقوق الإنسان في بيان لها عن «قلقها البالغ» إزاء استمرار اعتقال عدد كبير من الناشطين رغم صدور أمر رئاسي يقضي بإطلاق سراحهم.
في هذا الوقت، صادرت السلطات السورية في معبر التنف الحدودي مع العراق كمية من الأسلحة كانت في طريقها إلى البلاد. وقالت قناة «دنيا» السورية الخاصة إن «أمانة الجمارك في التنف عثرت على 139 مسدساً و14 قناصة وقاذفات قنابل مسيلة للدموع ورشاشات ومناظير ليلية».
(أ ف ب، يو بي آي، رويترز، سانا)