عدن | لا يزال الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مقيماً في الدائرة نفسها التي حبس نفسه فيها منذ بداية «ثورة الشباب اليمنية»، مراهناً على الوقت ومفردتي «الشرعية الدستورية»، اللتين يستخدمهما ردّاً نهائياً على أي مبادرة خارجية تحاول أن تأتي بحل لأزمته التي صار محاطاً بها، عدا أصوات شعبية ثائرة تطالبه بالرحيل الفوري ولا شيء غير ذلك.وكعادته، خرج منتصف يوم أمس وخاطب جمهوره في موعدهما الأسبوعي، ليذكّره بأنه لا يزال رئيساً للجمهورية اليمنية، رغم عدم قدرته على الخروج من مربع «منطقة السبعين» التي صارت مساحة تحركه الوحيدة داخل العاصمة صنعاء. قال إنه يرحّب بالنسخة الجديدة من «مبادرة مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة في اليمن وانتقال السلطة بنحو سلس وسلمي»، لكنه عاد ليقول إن ذلك لا بد أن «ينسجم مع الشرعية الدستورية».
ويعني هذا الكلام العودة إلى المربع الأول، والإعلان نفسه الذي بقي صالح متمسكاً به منذ بداية الأزمة. المبادرة الخليجية جاءت بنسخة معدلة عن المبادرة الأولى التي رفضتها أحزاب المعارضة اليمنية في بداية الأمر، ثم ذهب ممثلون عنها إلى الرياض للاستفسار عن بعض الغموض في المفردات التي لم تحدد بوضوح معنى الانتقال السلمي للسلطة، وآليات التنحّي، ومصير أقارب الرئيس، وموقعهم في تلك المبادرة.
وتضمّن نص المبادرة الجديدة «تأليف حكومة وحدة وطنية على أساس 50 في المئة للحزب الحاكم و40 في المئة للمعارضة و10 في المئة للأطراف الأخرى. وبعد تأليف الحكومة، ينقل الرئيس صلاحياته إلى نائبه، وبعدها تنتهي مظاهر الأزمة، أي انسحاب المتظاهرين وإنهاء التمرد العسكري. وخلال 30 يوماً يقدم الرئيس استقالته إلى مجلس النواب ثم يُعدّ الرئيس المؤقت وحكومة الوحدة إجراء انتخابات رئاسية خلال ستين يوماً».
يبدو واضحاً أن هذه المبادرة الجديدة إنما تأتي على الخط نفسه الذي جاءت عليه المبادرة الأولى، التي ساهمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتقديمها، ونصّت على «نقل صلاحيات الرئيس إلى نائبه، وتأليف حكومة بقيادة أحزاب المعارضة بصلاحيات واسعة تمكّنها من التهيئة لصياغة دستور جديد للبلاد، والإعداد لانتخابات رئاسية مبكرة». لكن جميع هذه المبادرات لم تحدد الوضع الجديد لنجل رئيس الجمهورية وقائد الحرس الجمهوري أحمد علي عبد الله صالح، ونجل شقيقه يحيى قائد الأمن المركزي، وشقيق الأخير عمار يحيى عبد الله صالح المشرف على الأمن القومي.
هذا التجاهل لهؤلاء الثلاثة يمثّل دافعاً إضافياً لـ«ثورة الشباب اليمنية»، وخصوصاً أنهم يجسّدون مشروع التوريث المرفوض من الشباب. هذا يعني أن أي مبادرة خارجية لا تقترب من تحديد شروط يُبعد على أساسها هؤلاء الثلاثة من مناصبهم، لا يمكن أن تكون مقبولة للشباب المعتصمين في الساحات.
وفي السياق، قال مصدر إعلامي مطّلع إن «تحديد وضع صالح بالنسبة إلى الإدارة الأميركية التي دفعت بمبادرتها أولاً قبل أن تعمل على تشجيع مجلس دول التعاون الخليجي على الدخول في خط المبادرات، صار مسألة مفروغاً منها، لكنهم لا يقدرون التفريط في قيادة الحرس الجمهوري والأمن القومي والأمن المركزي، وهي الأجهزة التي ترتبط بالإدارة الأميركية مباشرة، وتعمل على التنسيق الدائم معها وتمويل تجهيزاتها وتدريب عناصرها لمواجهة ما يسمى مكافحة الإرهاب». وأضاف أن «الغريب في الأمر يتمثل في إصرار الأميركيين على إبقاء تعاملهم مع قيادة جهاز الأمن القومي وقيادة الحرس الجمهوري، على الرغم من فشلهما في تنفيذ الخطط التي اتُّفق عليها، إضافة إلى التجاوزات التي حدثت على أيدي قيادة جهاز الأمن القومي في مسألة صرف المنح المقدمة من الإدارة الأميركية لمكافحة الإرهاب».
على المقلب الآخر، وفي ما يخص موقف شباب الثورة، يبدو واضحاً أن هناك صعوبة في قبول أي مبادرات خارجية لا تحدد رحيلاً فورياً للرئيس وأقاربه من قيادات الصف الأول والثاني، مع ضرورة عدم تقديم أي ضمانات قانونية تمنح الرئيس وأقاربه أي حصانة من ملاحقات قضائية بعد التنحّي. وبحسب اللجنة التنظيمية لثورة الشباب اليمنية، هناك رفض تام لأي مبادرات لا تنص على التنحّي الفوري من السلطة، وبالتالي عدم الالتزام بإنهاء الاعتصامات والتظاهرات الاحتجاجية التي بدأت تأخذ منحىً متصاعداً ويومياً في غالبية عواصم المحافظات اليمنية. كذلك يرفض شباب الثورة أي ضمانات بعدم ملاحقة الرئيس وأقاربه على خلفية حوادث القتل التي تعرضوا لها منذ بداية الثورة، وخصوصاً يوم 18 آذار الماضي في ساحة التغيير في صنعاء.