مع تسليط الضوء على موضوع المرتزقة الأفارقة في ليبيا في صحيفة «دايلي تلغراف»، أصبح موضوع استخدام عناصر أجانب في الصراع الليبي الداخلي مثار جدل واسع، ولا سيما مع وجود أنواع مختلفة من المرتزقة ليست فقط من القارة السمراء، بل حتى من أوروبا الشرقيّة والعالم العربي. ففيما نسبت الصحيفة البريطانية إلى مسؤول «رفيع المستوى» في حلف شمالي الأطلسي قوله «إن القذافي يستخدم جميع اتصالاته في المنطقة لجلب المزيد من المرتزقة إلى ليبيا للدفاع عن نظامه»، أفادت بأن نظام الزعيم الليبي معمر القذافي أنفق 3.5 مليارات دولار على استئجار المئات من المرتزقة من شمال أفريقيا لمساعدته على معارضيه. التقارير التي تناولت هذا الموضوع في أكثر من وسيلة إعلامية أفادت بأن المقاتلين في الجماهيرية أنواع مختلفة، منهم من انضمّ الى المعارك منذ بداية الثورة في 15 شباط الماضي، ومنهم من كان مقيماً أصلاً في ليبيا، وهذا النوع لا تنطبق عليه صفة المرتزقة، ويُقدّر عددهم بعشرات الآلاف.
في أي حال، تعدّدت المصادر والهدف واحد؛ جنسيات مختلفة وبلدان عديدة شاركت في رفد النظام الليبي بالمقاتلين تحت عناوين متعدّدة، منها ما هو سري هدفه تفتيت منطقة الهضبة الأفريقية، على غرار ما تفعله شركات أمنية إسرائيلية، ومنها ما هو بعنوان الحد من انتشار تنظيم «القاعدة» في المغرب، ومنها ما يتعلق بدوافع مادية بحتة، ولا سيما أن «ملك ملوك أفريقيا» مستعدّ لدفع مبالغ طائلة من أجل حفظ نظامه ومكتسباته المسروقة من خزائن شعبه.
الأصابع الإسرائيلية واضحة، فهناك شركة أمنية إسرائيلية تلتزم أمن مناجم ألماس في بعض الدول الأفريقية، وخصوصاً الكونغو، على حد قول مصدر قريب من المعارضة الليبية لـ«الأخبار». هذه الشركة المسجّلة في إسرائيل تدعى «غلوبال سي أس تي»، وترفد النظام الليبي بعناصر يتمتعون بكفاءة قتالية عالية. يعمل هؤلاء بإمرة ضباط متقاعدين في جهاز الأمن الخارجي الإسرائيلي (الموساد).
موقع «إنيان مركازي» الإلكتروني العبري كشف عن شركة اسرائيلية تُجنّد مرتزقة لدعم القذافي في إخماد الانتفاضة على نظامه، مشيراً في تقرير خاص إلى أن رئيس الشركة التي يديرها ضباط متقاعدون في الجيش الاسرائيلي، التقى في المدة الأخيرة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه إيهود باراك، ورئيس الاستخبارات أفيف كوخافي. وأضاف أن المسؤولين الاسرائيليين وافقوا على تجنيد مرتزقة لمساعدة القذافي «بسبب مخاوف من إطاحته واستبداله بنظام إسلامي متشدّد».
ممثلون عن الشركة الإسرائيلية سافروا إلى تشاد خلال المدة الأخيرة من أجل عقد اتفاق مع مسؤول استخباري ليبي رفيع المستوى، هو عبد الله السنوسي، الذي وافق على أن تجنّد الشركة 50 ألف مرتزق من البلدان الافريقية، استناداً الى تقرير ورد في نشرة «أوراسيا ريفيو» في آذار الماضي.
وكانت قناة «الجزيرة» الفضائية قد نشرت تقريراً يفيد بأن زيمبابوي تساعد بتوفير مرتزقة للقذافي، ما أثار ضجة سياسية في البلد الأفريقي الجنوبي. ونقل موقع «Zim eye» في زيمبابوي محضر مواجهة بين مسؤول المعارضة في هذا البلد، إنوسنت غونيس، ووزير الدفاع أميرسون مناننغوا، خلال جلسة البرلمان في 2 آذار الماضي. غونيس سأل مناننغوا عن صحة أنباء تشير الى وجود جنود زيمبابويين يقاتلون في ليبيا، فأجاب الأخير «ليس لدي أي تفويض وفق مهمتي، بصفتي وزير الدفاع، للتحري عن نشاطات تحصل في بلد أفريقي آخر»، طالباً منه «توجيه سؤاله مباشرة إلى وزارة الشؤون الخارجية»، بما يؤكد وجود التباس حول هذه القضية.
بدوره، أثار لانس غوما من راديو «أس دبليوأفريكا» في زيمبابوي، موضوع «التخمينات» حول وجود أعضاء من الجيش الوطني في ليبيا لمساعدة «الديكتاتور» القذافي. المصادر تنوعت حول هذه القضية، فقد ذكرت قناة «الجزيرة» الفضائية أن زيمبابوي كانت تساعد القذافي بمدّه بالمقاتلين عبر تشاد ودول أفريقية أخرى.
وبالعودة الى تقرير صحيفة «دايلي تلغراف»، الذي صدر أول من أمس، أكد التقرير أن مسؤولاً سابقاً في نظام القذافي شارك في مفاوضات حول صفقة لتجنيد 450 مقاتلاً من منطقة الصحراء الغربية، قبل أن ينشقّ وينضمّ إلى صفوف المعارضة، ويزوّد مسؤولي منظمة حلف شمالي الأطلسي بتفاصيل حول هذه الصفقة.
لقد دار الحديث أخيراً عن مرتزقة من الصحراء الغربية، حيث الغالبية العظمى من المقاتلين هم أعضاء في قبيلة صحراوية، خاضوا حرب استقلال ضد المغرب بوصفهم أعضاء في جبهة البوليساريو.
وتلقّى كل واحد من المرتزقة 10 آلاف دولار للقتال مع كتائب العقيد القذافي لمدة شهرين، حسبما أكد المنشقّ الليبي، الذي لم تكشف عن هويته. الصحيفة نفسها أشارت إلى أن مسؤولين ليبيين جنّدوا أيضاً العشرات من مقاتلي حركات التمرد في النيجر ومالي التي لديها روابط وثيقة مع نظام القذافي، مشيرة إلى أن مسؤولي حلف الأطلسي تلقوا تقارير في الماضي بأن القذافي اعتمد بنحو كبير على المرتزقة الأجانب للدفاع عن نظامه، لكن الوثائق التي قدمها المنشقّون الليبيون أظهرت أن نظام القذافي لا يزال يسعى بنشاط إلى تجنيد المزيد من المقاتلين.
اللافت أن هؤلاء المُرتزقة لا يأبهون لشروط الحرب وقوانينها، فهم موضع اتهام من جماعات المعارضة الليبية بالوقوف وراء أسوأ التجاوزات التي ارتكبها النظام، بما في ذلك قتل النساء والأطفال. المُرتزقة في ليبيا لهم أيضاً صورة أخرى، فإضافة الى المقاتلين، تحدثت وسائل إعلام عديدة عن مشاركة طيارين عرب في قصف مواقع الثوار في ليبيا في بداية الثورة، بعد رفض الطيارين الليبيين القيام بهذه المهمة، وانشقاق بعضهم وهروب بعضهم الآخر خارج البلاد. كذلك ظهرت تقارير عن مشاركة طيارين من صربيا وبلا روسيا.
صحيفة «daily alo» الصربية أكدت أن هذه المرة ليست الأولى التي يستأجر القذافي فيها طيارين من صربيا، فقد حصل ذلك في التسعينيات أثناء مواجهته مجموعات إسلامية متشددة. ولتعريف المرتزق من ناحية قانونية، فإن اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقيّة، المُوقّعة عام 1977 بشأن حظر المُرتزقة والتي صادقت عليها ليبيا عام 2005، تشير إليه بأنه شخص يجند خصيصاً للمشاركة في القتال في صراع مسلّح، ويشارك مباشرة في الأعمال العدائية، على أن الباعث الأساسي لهذه المشاركة هو الرغبة في تحقيق مكسب شخصي. كذلك هذا الشخص لا يكون من رعايا أحد أطراف الصراع، أو من المقيمين في إقليم خاضع لسيطرة أحد أطراف الصراع. وهو ليس عضواً في القوات المُسلّحة لأحد أطراف الصراع.



«مرتزقة فلسطينيّون»

في تصريحات صحافية أدلى بها في باريس خلال زيارته الإليزيه، قال رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل إن لديه معلومات عن وجود عناصر تابعين لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة» بقيادة أحمد جبريل، في المناطق الغربية من ليبيا لمساعدة كتائب القذافي في القتال ضد الثوار.
عبد الجليل أكد أن القذافي أدخل إلى طرابلس ألف فلسطيني ليقاتلوا معه. وأشار الى أن دولاً مثل الجزائر والنيجر وتشاد، وأيضاً المعارضة السودانية، تمدّ القذافي بالسلاح والمساعدات اللوجستية، مضيفاً أن هناك معلومات مؤكدة عن وجود قناص صربي الآن في طرابلس، حاول إقناع صديق له في مدينة ميلانو الإيطالية بالمجيء الى ليبيا، حيث يبلغ راتب القناص المحترف عشرة آلاف يورو في الأسبوع.
ويبدو أن المعارضة قد طلبت من دول حلف الأطلسي مساعدتها على وقف استقدام المرتزقة الى ليبيا من الدول الأفريقية المجاورة.