صنعاء| فيما سقط عشرة قتلى في صنعاء، أمس، برصاص قوات الأمن، ظهرت «ساحة التغيير» كأنها قد تخففت من ثقل كوادر شباب حزب التجمع اليمني للإصلاح الموجودين فيها مع انطلاقة «ثورة الشباب اليمنية»، وذلك بعد ظهور المبادرة الخليجية.
فلحزب الإصلاح الأصولي رأي مخالف لشبان ساحة التغيير بالنسبة الى مبادرة المصالحة السعودية، إذ يدفع من أجل التوقيع على المبادرة في وقت متزامن مع سحب كوادره من الساحة، حيث الشارع الكبير والمحاذي لسور معسكر الفرقة الأولى مدّرع بقيادة اللواء علي محسن الأحمر، الأخ غير الشقيق لعلي عبد الله صالح.
قد يحتاج هذا الأمر إلى إعادة نظر على ضوء المبادرة الخليجية ـــــ السعودية في نسختها الأخيرة، أو حتى في نُسختيها الأوليين واللتين عدّلتا لاحقاً. وهي المبادرة التي في جميع نسخها قد حظيت بمباركة وموافقة غير مشروطة من آل الأحمر، الممثلين في أحزاب المعارضة اليمنية بالملياردير حميد الأحمر،
وشقيقه حسين، ومن خلفهم اللواء علي محسن الأحمر، الذي صار بمثابة الحامي الرئيسي والعسكري لشباب ساحة التغيير في صنعاء على وجه الخصوص.
من هنا، يمكن فهم حال التخفف المفاجئة التي ظهرت عليها الساحة مساء أمس، بمعنى أن ذلك التخفف لم يكن سوى دلالة على نية آل الأحمر المضيّ في طريق التوقيع على المبادرة الخليجية المقرر يوم الاثنين المقبل في الرياض.
وكمدخل ثان لفهم آليّة انسحاب شباب التجمع اليمني للإصلاح من الساحة، يمكن النظر إلى طبيعة العلاقة التي تربط بين آل الأحمر والسعودية من جهة، والرئيس صالح من جهة أخرى.
أولاً، لا يمكن القفز عن «اللجنة السعودية» التي
كان وليّ العهد السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز يديرها. وهي التي تختص بصرف رواتب شهرية وهبات لمشايخ القبائل اليمنية الموالين للمملكة، وكذلك
لمسؤولين كبار في الدولة، وبعلم الدولة اليمنية نفسها، وكان أبرزهم الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، الذي بعد وفاته آلت المبالغ إلى نجله
حسين.
وعليه، يمكن فهم الأسباب التي دفعت بورثة الشيخ الأحمر، وبقوة، إلى القبول بالمبادرة الخليجية ـــــ السعودية لحل «الأزمة اليمنية»، والتي هدفت، قبل أن تجد حلاً لهذه الأزمة إلى أن تجد مخرجاً آمناً ومشرّفاً للرئيس، وبقائه رمزاً وطنياً وتجنيبه وأقاربه أي إجراءات قضائية قد تطالهما بسبب جرائم الحرب التي ارتكبت بحق الشباب المعتصمين في «ساحة التغيير» بمختلف المدن اليمنية.
وربما يقود هذا إلى أصل المبادرة نفسها، التي قالت مصادر مطلعة إنها في الأساس «صيغة لاتفاق بين صالح نفسه واللواء علي محسن الأحمر. وما كانت قصة محاولة اغتيال هذا الأخير إلا للتغطية على هذا الاتفاق وإبعاد الأنظار عنه».
وقد جرى تقديمها للسعودية عن طريق مستشار الرئيس السياسي عبد الكريم الأرياني، وذلك من أجل إعادة تدويرها وإرسالها إلى الداخل كحل للأزمة.
لكن المملكة مقتنعة بفساد الرئيس، وهي أول من يعلم أنه من ورّطها في حرب مع جماعة الحوثي، كما أنها مقتنعة بضعفه الشديد وأنه لم يعد مسيطراً بالشكل المقبول في مناطق الأطراف اليمنية، وأهمها المناطق المحاذية للحدود الملاصقة
لها.
في الوقت ذاته، تعلن السعودية أن تغيير النظام بهذه السرعة قد يؤدي الى إرباك كبير على حدودها مع اليمن، وبالتالي خلق مزيد من المشاكل والقلاقل التي لا تودّ الخوض والتورط فيها ثانية. وبالتالي، فإن الطريقة المناسبة لها هي تقديم مبادرات تضمن لجنديّها الوفيّ في اليمن مخرجاً آمناً ومشرّفاً، وفي الوقت نفسه ضمان انتقال السلطة انتقالاً آمناً لرجل آخر أو لرجال من آل الأحمر، الذين لا تشكّ أبداً بولائهم لها.
وعليه، يبدو من الواضح إيمان أمراء المملكة المطلق بوجوب تغيير صالح واستبداله بشخص أو بأشخاص على الدرجة نفسها من الولاء، إن لم يكن بأكثر منه. وهم يضمنون هذا على نحو تام في ورثة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر.
ولذلك، تبدو مبادراتهم المقدّمة عن طريق دول مجلس التعاون الخليجي لعباً على عامل الوقت، ومنح الرئيس صالح المزيد من الفرص لترتيب وضعه المقبل.
وبعيداً عن تفريغ «ساحة التغيير»، من شباب حزب التجمع اليمني للإصلاح، يبدو أن الأمر قد تجاوز سيطرة هؤلاء ليصل الى حدود شباب المنظمات المدنية الموجودة في الساحة، وإلى شباب الحزب الاشتراكي اليمني الذين رفضوا منذ البداية القبول بأي مبادرات لا تنص صراحة على تنحّي الرئيس من دون قيد أو شرط، وعدم إعطائه أي ضمانات بعدم ملاحقته قضائياً.
فقد أصرّ هؤلاء الشباب على خروجهم في مسيرة احتجاجية منددة بالاتفاق وبأيّ مبادرات لا تضمن ملاحقة الرئيس صالح وأقاربه، خرجوا في مسيرة أمس في جمع حاشد باتجاه ملعب المدينة الرياضية (شمال صنعاء)، حيث يقع مبنى التلفزيون اليمني. هناك استقبلهم رصاص قوات أمن بزيّ مدني وبلطجيّة، إضافة إلى رصاص لقوات الحرس الجمهوري، ما أدى الى وقوع نحو عشرة قتلى وعدد غير معلوم من المصابين، فيما يبقى العدد مرشحاً للتصاعد مع قدوم الساعات المقبلة.
وبحسب موقع «المصدر أون لاين»، الذي أورد الخبر، تأكّد مقتل وجرح العشرات في «مجزرة جديدة» ارتكبها نظام صالح بحق المتظاهرين في العاصمة. وقال مندوب «المصدر أون لاين» إن مسلحين خرجوا من ملعب الثورة شمال صنعاء وأطلقوا الرصاص الحي بكثافة نحو مسيرة حاشدة مرت بالقرب من الملعب، ما أدى إلى سقوط القتلى والجرحى.
وقالت مصادر طبية للموقع إن الشهداء سقطوا برصاص في الصدر والرأس، ما يرجّح أن يكونوا قد أصيبوا برصاص قنّاصة يتمركزون في ملعب الثورة، حيث يقيم هناك موالون لصالح وبلطجيّة
مسلحة.
وكانت مصادر طبية قد ذكرت أن أربعة أشخاص لقوا مصرعهم بالرصاص، عندما أطلقت قوات الأمن وجنود النار لتفريق تظاهرة في صنعاء. وأضاف أحد هذه المصادر الطبية إن عشرين متظاهراً
على الأقل أصيبوا بالرصاص، وإن عدد القتلى قد يرتفع.
في هذا الوقت، صعّد عشرات الآلاف من اليمنيّين احتجاجاتهم أمس ومُنعوا من الوصول إلى ميناء رئيسي.
ويرتاب المحتجون في الخطة الخليجية التي أيّدتها الحكومة والائتلاف المعارض الرئيسي في البلاد لأنها تمنح صالح مهلة شهر للاستقالة وحصانة له ولأسرته من
المحاكمة.
وهتف محتجّون خارج ميناء الحديدة على البحر الأحمر مطالبين برحيل صالح، فيما استمرت العمليات البحرية دون تأثر.
وقال مسؤولون محليون وآخرون في مستشفى إن اشتباكات اندلعت في جنوب اليمن، بين محتجّين مناهضين للحكومة، أغلقوا طرقاً بإطارات محترقة، وقوات الأمن، ما أدى الى مقتل محتجّ وجنديّين.