أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن العمليات العسكرية في محافظة درعا «ستنتهي» قريباً، في وقت تواردت فيه أنباء عن استعدادات لمحتجين لتنظيم اعتصامات في عدد من المدن السورية. كل ذلك يجري على وقع تصاعد الموقف الدولي، ولا سيما من فرنسا التي دعت رعاياها إلى مغادرة سوريا. وقال الرئيس السوري أمام وفد يمثل الفاعليات الأهلية في مدن محافظة دير الزور شرق البلاد، إن وحدات الجيش السوري التي دخلت درعا في الخامس والعشرين من الشهر الماضي ستنهي مهمتها «قريباً جداً».
وأضاف أن «كل بلد في العالم من الممكن أن يتعرض للأحداث التي تعرضت لها درعا».
وذكرت صحيفة «الوطن» السورية الخاصة أمس أن الاجتماع دام أربع ساعات، من دون حضور أي من المسؤولين، حيث بحث الأسد وأعضاء الوفد البالغ عددهم نحو خمسة وثلاثين شخصاً قضايا حياتية تهمّ المنطقة الشرقية عموماً.
وقال الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين العرب عبد الفتاح الفتيح الذي حضر اللقاء، لصحيفة «الوطن»، إن الوفد كان ينوي طرح موضوع مكافحة الفساد وضرورة إيلائه الاهتمام اللازم، «لكن الرئيس الأسد سبقنا إلى ذلك وبادر من تلقاء نفسه إلى طرحه، ووعد بمكافحة الفساد، وأكد أنه ستكون هناك هيئة عامة لهذا الغرض». ونقل عن الأسد قوله «أنا عندي الراشي والمرتشي سواء، ويجب محاسبتهما».
وفي إطار التحرك الشعبي الذي بدأ يتبلور بهدف إعادة الحياة إلى طبيعتها في محافظة درعا، اقترح الحضور خلال اللقاء، أسوة بوفد ريف دير الزور وحلب، تأليف وفد شعبي يمثّل مختلف مناطق القطر لزيارة المحافظة والتعزية بشهدائها وإجراء المصالحة. وقال الفتيح إن الأسد أبدى دعمه للمقترح، لكنه دعا إلى تأجيله إلى حين عودة الأمن والاستقرار إلى درعا تماماً.
في هذا الوقت، تحاول حركات المعارضة للنظام السوري تنظيم اعتصام في المدن الكبرى في البلاد. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن ناشطين قولهم إن «المعارضين للنظام في سوريا تعهدوا بمواصلة ثورتهم عبر تنظيم تظاهرات في جميع أنحاء البلاد».
وقالت لجان تنسيق التظاهرات في عدة مدن سورية، في بيان، «مستمرون في ثورتنا وفي تظاهراتنا السلمية في كافة أرجاء سوريا حتى تحقيق مطالبنا بالحرية». وبحسب البيان، فإن المدن المقصودة هي درعا (جنوب) وبانياس (شمال غرب) والمدينة الصناعية في حمص.
ودان الناشطون قمع النظام، منذ أسابيع، والاعتقالات الواسعة في صفوف المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد. وقالوا إن «السلطة عمدت خلال الأيام الأخيرة إلى تكثيف عمليات الاعتقال بنحو فاق كل حدّ، بحيث أصبح متوسط عدد الاعتقالات يومياً لا يقل عن 500 شخص». وأشاروا إلى «حملات دهم مكثفة تستهدف كل يوم مناطق بعينها، إضافة إلى الاعتقالات المتفرقة المستمرة». وصرّح المدير التنفيذي لمنظمة حقوق الإنسان «إنسان»، وسام طريف، بأن عدد «المعتقلين أو المفقودين يمكن أن يتجاوز ثمانية آلاف شخص».
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن مئات السوريين العاديين اتهموا «بتوهين نفسية الأمة»، التي تبلغ عقوبتها السجن ثلاث سنوات. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن «الاعتقالات الجماعية مستمرة في أنحاء سوريا، في خرق آخر لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية».
ونقلت وكالة «رويترز» عن «مسؤول عربي» قوله إن «الحملة الأمنية تهدف في ما يبدو إلى منع الاحتجاجات بعد صلاة الجمعة، وهو الوقت الوحيد الذي يُسمح فيه للسوريين بالتجمع». وأضاف «إنهم يقيمون حواجز الطرق في كل مكان لمنع التحرك. والجمعة سيكون اختباراً آخر».
وذكرت وكالة «فرانس برس» أن مدينة حلب شهدت أول من أمس تظاهرة شارك فيها المئات، قبل أن تفرقهم قوّات الأمن. وحسب شريط مصوّر وُضع على موقع يوتيوب، ردّد المتظاهرون «بالروح بالدم نفديك يا درعا»، وكذلك «ارفعوا الحصار ارفعوا الحصار» وهم يصفقون.
وفي بلدة الرستن التي كانت من مراكز الاحتجاج على الطريق بين حمص وحماة، قال ناشط لوكالة «فرانس برس» إن «الجيش أرسل تعزيزات إلى المدخل الشمالي للمدينة». وأضاف أن «المتظاهرين يطالبون بالتحقيق في مقتل 18 شخصاً سقطوا في التظاهرة السلمية الجمعة».
ونقلت وكالة «رويترز» عن شاهد عيان أن طابوراً من 30 دبابة تابعة للحرس الجمهوري، وما يصل إلى 70 شاحنة محمّلة بالجنود، شوهدت على الطريق الدائري السريع المحيط بدمشق. وأضاف «كل شاحنة تحمل من 20 إلى 30 جندياً. القافلة كانت متجهة إما إلى الشمال باتجاه حمص وإما إلى الجنوب باتجاه درعا».
وقال سكان إن دبابات وناقلات جند مدرعة تنتشر عند المشارف الشمالية لمدينة الرستن، على بعد 20 كيلومتراً شمالي حمص و15 كيلومتراً من مدخلها الجنوبي منذ صباح أمس.
وفي باريس، أعلن وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أن فرنسا تريد أن يتخذ الاتحاد الأوروبي عقوبات بحق الرئيس السوري، معتبراً أنه سيجري إسقاطه إذا استمر قمع التظاهرات.
وصرّح جوبيه لقناة «فرانس 24» التلفزيونية «نحن مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي بصدد إعداد عقوبات تستهدف عدداً من الشخصيات، ونريد نحن الفرنسيين أن يُدرَج بشار الأسد على هذه اللائحة». وأضاف أن حول بشار الأسد «نظاماًً برمته، لكنه هو المسؤول اليوم، ويجب أن يكفّ عن قمع شعبه، وأن يتوقف فوراً عن استعمال العنف، وإلا فإن العملية التي ستؤدي إلى إطاحته ستكون لا مفر منها».
غير أن رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني الذي التقى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في باريس، أول من أمس، أبدى معارضته تبنّي عقوبات أوروبية على دمشق، وأعرب عن أمله بـ«حل سوري» للأزمة.
ونصحت وزارة الخارجية الفرنسية الفرنسيين بمغادرة سوريا إلى حين عودة الوضع إلى حالته الطبيعية. وقالت على موقعها إنه «رغم عدم تعرض الرعايا الأجانب حتى الآن لأي تهديد مباشر، تنصح السلطات الفرنسية مجدداً الفرنسيين بتأجيل السفر إلى سوريا (...)، والفرنسيين في هذا البلد الذين يُعدّ وجودهم غير ضروري بمغادرة سوريا مؤقتاً على رحلات تجارية».
وقررت وكالات السفر الفرنسية التي تنظم رحلات إلى سوريا تمديد قرار تجميد الرحلات حتى 15 أيار بسبب التظاهرات المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد.
من جهتها، اتهمت الولايات المتحدة سوريا بممارسة «تدابير تتّسم فعلاً بالهمجية» في مدينة درعا. وندّد المتحدث باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، باستخدام الدبابات وبالقيام «بحملة اعتقالات تعسفية واسعة بحق شبان في درعا»، إضافة إلى قطع المياه والكهرباء. وأضاف «إنها فعلاً تدابير وحشية توازي عقاباً جماعياً لمدنيين أبرياء».
وفي عمان، قال نائب وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، جيفري فيلتمان، إن حكومة الأسد «تجاوزت الحد» بإرسالها دبابات لسحق المتظاهرين. وأضاف للصحافيين، خلال زيارة للأردن، «حينما يبدأ استخدام الدبابات لقمع المدنيين، فهذا تجاوز للحدّ في رأينا، ونحن منزعجون من ردّ فعل الحكومة السورية على الاحتجاجات في شتى أنحاء البلاد، ونؤيّد بقوة الحق في الاحتجاج السلمي». وقال «أعتقد أننا بذلنا جهداً حقيقياً للتواصل مع الحكومة السورية... وبصراحة، إننا نشعر حتى الآن بخيبة أمل من النتائج».



نصائح شبيلات


وجّه المعارض الأردني ليث شبيلات رسالة خطيّة إلى الرئيس السوري بشار الأسد (الصورة)، قدم خلالها عدداً من النصائح لمواجهة ما تشهده سوريا من موجة احتجاجات في مختلف المحافظات.
وأكد شبيلات، في رسالته التي نشرها أمس، أن «من حق الشعب السوري الحصول على حقوقه السياسية في حرية منحته إياها السماء، خلال برنامج زمني حثيث». وأكد للرئيس السوري أن من «الخطأ القاتل أن يشكّك في المطالب العادلة للناس على أن وراءها جهات غير وطنية»، داعياً إلى الإفراج عن معتقلي الرأي في السجون السورية «كدواء لما تشهده البلاد». كذلك دعا شبيلات الرئيس السوري إلى استثمار شخصيته «المحبوبة، والكاريزما الشجاعة»، وذلك «على الطريقة العبقرية للملك (الأردني) حسين بن عبد الله الذي ذهب شخصياً لإطلاق سراح بعض المعارضين الأردنيين المحكومين بالإعدام خلال ستينيات القرن الماضي».
وأكد شبيلات في رسالته للأسد مواقفه المؤيّدة للمواقف السورية القومية وقيادتها لخندق الممانعة، وقال إنه من هذا المنطلق يبعث بهذه الرسالة إلى الرئيس الأسد، ومن منطلق خوفه على مستقبل سوريا من أعداء الأمة.
وكان شبيلات قد أثار الجدل في شباط الماضي عندما بعث برسالة إلى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني طالبه فيها بالبدء بإصلاحات حقيقية شاملة قبل وقوع ما لا تُحمد عقباه، من انتقال الشعب الأردني في حراكه المطالب بإصلاحات اقتصادية واجتماعية إلى مطالب سياسية. كذلك حملت الرسالة نقداً شديداً لمسؤولين أردنيين، ولأسلوب إدارة الحكم في المملكة.
(يو بي آي)