حين يعشق ابن فلسطو
صديقتي إيمان
في لقائنا الأخير، سئلنا «شو بني فلسطو؟ ما عم تحبّوا؟» وكم كان الجواب الذي كتمته في قلبي موجعاً. فلماذا نحب؟ ومن يضمن من سيختار قلبه؟ وماذا إن أخطأ قلبنا الأحمق واختار لبنانية؟ تلك هي الخطيئة الكبرى، لأنه يكون ببساطة يقدم على أكبر مغامرة في حياته. فالفلسطيني مرفوض بالمطلق وبالأخص حبيباً. أهل الفتاة لن يرضوا به مهما كان على خلق أو حتى ميسوراً. «شو فلسطيني! ليش عندو أوراق» أو «شو بدك فيه؟ ولك هيدا ما بيقدر يشتري بيت» أو ـــــ وهذه هي المفضلة عندي ـــــ «شو بدّك ولادك يطلعوا فلسطينيية كمان؟» كأننا بشر من فئة عاشرة. وأذكر في ما أذكر حديثاً وجّه لي على وجه التحديد من أمّ إحدى الفتيات اللبنانيات «لو سمحت إذا سألك حدا من وين، ما تقول إنك فلسطيني».
هذا غيض من فيض يواجهه الشاب الفلسطيني وحبيبته اللبنانية حين يقرران تأسيس عائلة. ولأكون موضوعياً، فإن هذه المخاوف محقّة نوعاً ما، لكن في غير محلها. من حق الأهل أن يفكروا بمصير ابنتهم إن ارتبطت بفلسطيني، فوضع الفلسطينيين دائماً على كف عفريت. لكن أليس البلد كله على كف عفريت؟ أما حق التملك، فبصراحة «متل قلّته». فمن يقدر على شراء بيت في هذه الظروف؟ لبنانياً كان أو فلسطينياً؟ ليس ذنب الفلسطينيين أن الحكومات المتعاقبة كانت من الغباء والعنصرية بحيث إنها لم تمنح المرأة اللبنانية حق إعطاء أبنائها الجنسية. لو تعلمين كم من مرة لدغت من هذا الجحر حتى وصل بي المطاف إلى أن أقول لأي فتاة «يا بيي أنا فلسطيني، أهلك عندن مشكلة معانا؟»، لكن حتى هذه الاحتياطات لا تنفع حين يسبق القلب العقل.
اليوم، أكثر طبقة في العالم أنا متعاطف معها هي طبقة المنبوذين في الهند. أشعر بكل ما يعانونه من ظلم وعزل. كثيرة هي الممنوعات على الفلسطيني، واليوم يا صديقتي نضيف إليها الحب.
شاتيلاـــــ طه سمور

■ ■ ■

ما ضلّ عنّا شباب؟

عزيزي أبو غسان، رغم أنني لا أتفق معك في كل شيء، لكن هناك الكثير مما لا يمكنني أن لا أوافقك عليه. فكوني ابنة رجل لبناني وامرأة فلسطينية، هناك كثيرٌ مما قلته أنت عايشته أنا في السنوات الأولى من عمري وحتى الآن. «ليش فلسطينية، ما ضل عنّا بنات؟» هو أكثر الأقوال ما يضحكني ويبكيني عندما أتذكره، ولأكن موضوعية، حتى بالنسبة إلى الطرف الآخر كنت أسمعه أحياناً يقول «ليش لبناني، ما ضلّ عنّا شباب؟»، وكأن البنات والشباب ما هم إلا كيلو بطاطا معروض على بسطة خُضرة أول الزاروب!
لكن يا عزيزي، كلام الناس هذا لم يؤثر يوماً على علاقة والديّ، ولا أظن أنه قد يؤثر عليّ أيضاً في يوم من الأيام، فإن كنتُ أريد العودة بتاريخي العاطفي، فسترى أنني كنتُ دائماً أختارُ فلسطينياً. ليست المسألة مسألة عقل، بل هي مسألة عواطف بالنسبة إليّ وإلى أيّ فتاة، وكما يقول المثل «يا آخد القرد على ماله، راح المال وضلّ القرد على حاله!»، لذلك يبقى الحب أو التفاهم على أقل تقدير هو العنصر الرئيسي في تأسيس أي علاقة! ولا تستغرب من قولي إن ظروف اللجوء والعيش في المخيم هي ما يجعل الشاب الفلسطينيّ مميزاً عندي وعند غيري من الفتيات اللبنانيات. «الفلسطيني مدعوك أكتر»، يحب الحياة ويقاتل من أجلها أكثر، يمكنك الاعتماد عليه أكثر، لديه قضية يحارب من أجلها أكثر من أيّ شاب عربي. يبقى العقل والمنطق، هنا يبدأ الخلاف، كيف يمكن إحدانا أن تتزوج فلسطينياً غير قادر على تأمين البيت أو وظيفة ثابتة على الأقل؟ المشكلة ليست عند الأهل أو عند الفتيات، وليست عندك حتى يا عزيزي، المشكلة عند الدولة المضيفة! إن جاء أحدهم وقال لك كلاماً كهذا فقل له «خلِّ دولتك المحترمة تعطيني حقوقي وما رح تكون بنتك إلا راضية!»، إن كانت التسوية الأخيرة تقف عند البيت والمعاش، فستكون الصفقة رابحة عندها! فما الزواج اليوم إن كان بفلسطيني أو لبناني إلا صفقات في البيع والشراء، الفتاة مقابل بيت، مهر، مقدم ومُؤخر!
في النهاية، أقول لك إن كنتُ سأتزوج بفلسطيني في نهاية المطاف فلن أمنح أولادي الجنسية اللبنانية، وسيكون هذا القرار بملء إرادتي، لا لأن الدولة اللبنانية تمنع النساء من منح الجنسية لأطفالهن! لماذا أحرم أولادي من جنسية ترمز إلى قضية العالم بأكمله؟ وحتى إن كانت الدولة اللبنانية ستفرض على زوجي وأولادي الجنسية بفعل التوطين، وبالطبع أنا أراه شيئاً بعيداً، فأنا سأظل أذكّر أولادي بأنهم فلسطينيون، وأن لوالدهم وأجدادهم أرضاً هناك، وأن عليهم أن يستردوها.
القاسمية ــــــ إيمان بشير