القاهرة| «قادمون لتحرير القدس»، لافتة حملها شاب لم يتجاوز التاسعة عشرة من عمره في ميدان التحرير يوم جمعة «الوحدة الوطنية ودعم المصالحة الفلسطينية». كان الجو العام يشي بأن مصر عادت إلى أحضان فلسطين، أو انها استعادت دورها في دعم القضية بعيداً عن الحسابات والإملاءات الأميركية التي تخدم إسرائيل.
أعلام فلسطين ترفرف في ساحة التحرير، وهدير أصوات الثوار يزلزل جنبات الميدان، و«خالد» الشاب الصغير يسرّع الخطى داخل الميدان حتى يمكن أكبر عدد من الناس من قراءة لافتته.
خرج خالد أول من أمس في اتجاه رفح المصرية لمناصرة الفلسطينيين في يوم العودة. كان سعيداً بالأجواء في الحافلة التي كانت تقلهم، أغاني عبد الحليم حافظ «خلي السلاح صاحي» و«والله زمان يا سلاحي».
فجأة توقفت الحافلة عند مدخل مدينة الإسماعيلية، وقال رجال الأمن للنشطاء المشاركين جملة واحدة «ممنوع العبور». ورغم المفاوضات التي استمرت ساعات ما بين النشطاء العازمين على العبور والأمن الرافض، عاد خالد إلى القاهرة خائب الرجاء.
لم يتحقق حلمه في المشاركة بالانتفاضة الثالثة ولو عن بعد. كل المشاعر الجيّاشة التي حملها في صدره، والشعارات التي اجتهد كثيراً في نظمها لحظة وقوفه عند الحدود، ظلّت حبيسة الورقة التي لم يخرجها من جيبه إلاّ بعد عودته الى بيته في حلمية الزيتون بالقاهرة.
قصه خالد تكررت كثيراً خلال اليومين الماضيين، كل الذين ذهبوا وتحمّلوا مشقة السفر الى رفح هتفوا وندّدوا بالتعنت الأمني، ثم رجعوا الى القاهرة.
يوم الجمعة كان لحظة البداية. الآلاف زحفوا من ميدان التحرير باتجاه السفارة الإسرائيلية، وقفوا على الجسر المواجه لمبنى السفارة وأحرقوا العلم الإسرائيلي. وعندما اشتعل الغضب حاول الثوار اقتحام مقر السفارة، لكن الجيش وقوات الشرطة كانا لهم بالمرصاد.
استمرت حالة الشد والجذب بين الطرفين، واستقر الثوار في النهاية على إقامة اعتصام مفتوح أمام السفارة.
هنا تدخلت جماعة الإخوان المسلمين، وبدأ أعضاؤها المشاركون في التظاهرة إقناع النشطاء بفض الاعتصام. وأمام هذه المحاولة الإخوانية تساءل البعض «لماذا تتراجع القضية الفلسطينية عند التيارات الإسلامية رغم أنهم الأولى بالدعوة الى هذا اليوم لنصرة الأقصى ثاني الحرمين؟ هل هذا ما يقوله فقه الأولويات على اعتبار أن مصر تمر بمرحلة انتقالية تستدعي البناء أولاً في الداخل، ثم النظر الى الخارج؟ أم الأمر مجرد مصالح وتنسيق مع المجلس العسكري الرافض بشدة لفكرة الزحف؟».
ويبدو أن الإخوان التقطوا كلام رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، عندما قال «ليس من حق أحد إرهاق مصر بمطالب خارجية الآن».
بيد أن الشباب والنشطاء اعترضوا على تصريحات مشعل واعتبروها تنسيقاً مع المجلس العسكري الذي يدير شؤون البلاد الآن، وخرجت «غروبات» على موقع فايسبوك تطالب بضرورة الزحف كمقدمة لتحرير فلسطين، حتى إن أحد الشباب كتب تعليقاً على تصريح مشعل «نحترم نضال وحديث خالد مشعل، لكن عندما يتعلق الأمر بقضية العرب الرئيسية، مشعل مجرد فلسطيني لا يعبّر عن جموع الفلسطينيين المرحّبين بمشاركتنا في هذا الحدث الجلل».
في هذا الوقت، خرجت الجماعة السلفية وفاجأت الجميع بإدراج مسألة «الزحف» في إطار الحلال والحرام، وأصدرت بياناً يحذر من عواقب الزحف الى غزة مقترحة أن «تزحف الجماهير إلى حدود إسرائيل واقتحامها من جميع الجهات»، لكنها عادت وأكدت أن هذا الفعل يتضمّن «التفريط» في قوله تعالى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة».
رغم كل هذه التحذيرات زحف الآلاف في اتجاه غزة، وأمس فقط تدفق ما يقرب من 10 آلاف شاب إلى مدينة رفح وكالعادة منعتهم قوات الجيش والشرطة من الوصول الى هناك على الحدود بين مصر وغزة.
وفي القاهرة، نظّم المئات تظاهرة أمام مبنى السفارة الإسرائيلية للتضامن مع الشعب الفلسطيني في إحياء يوم العودة، والمطالبة بطرد السفير الإسرائيلي، وفتح معبر رفح للتضامن مع الشعب الفلسطيني في انتفاضته الثالثة.
ودعت أيضاً ما يقرب من 12 صفحة على «الفايسبوك» الشباب إلى المشاركة في الزحف، ووصل عدد أعضائها الى ما يقرب من 180 ألف عضو. لكن إرادة المنع من جانب المجلس العسكري كانت أقوى، ليظل إحياء ذكرى يوم العودة هتافات في سماء مصر لا يسمع صداها في فلسطين. رغم هذا الواقع يظل خالد يحلم باليوم الذي يخرج فيه الشعارات من جيبه على الحدود، ويهتف «رايحين.. رايحين، شهداء بالملايين».