القاهرة | كيف سيتصرف نبيل العربي؟ سؤال لاحق وزير الخارجية المصري السابق فور اختياره في شهر آذار الماضي ليسكن الطبقة الثانية في مبنى الوزارة المطلّ على كورنيش النيل. لم يتغيّر السؤال كثيراً بعد الاختيار المفاجئ للعربي ليكون الأمين العام السابع في تاريخ جامعة الدول العربية منذ إنشائها في عام 1945: ماذا سيفعل الرجل الذي شارك في مفاوضات كامب ديفيد واعترض بشدة على طريقة تل أبيب، ونقل مخاوفه إلى الرئيس أنور السادات من التضليل الذي يمارسه الوفد الإسرائيلي؟خلال ما يقرب من 60 يوماً هي حصيلة الأيام التي قضاها العربي في وزارة الخارجية، نجح الرجل في إعادة الدبلوماسية المصرية إلى صدارة المشهد السياسي، بعدما استحوذت أجهزة الأمن السيادية على معظم الملفات الخارجية، وفي مقدمتها ملف الصراع العربي الإسرائيلي وأزمة مياه النيل. أصبح للخارجية خلال أيام معدودة دور، وحدث ما يشبه التوافق على تصريحاته، وخصوصاً المتعلقة بإسرائيل وإيران. فللمرة الأولى منذ فترة طويلة، يخرج وزير خارجية مصري ليحذر الجانب الإسرائيلي من المساس بالمدنيين الفلسطينيين، وهو ما جعله في مرمى نيران وسائل الإعلام الإسرائيلية التي ركّزت في جزء كبير من انتقادها لتصريحات العربي على «كراهيته» للكيان الإسرائيلي.
لا يخفى على أحد أن الرجل يبغض إسرائيل. طوال مشواره الدبلوماسي عُرف العربي (المولود في آذار 1935) بالحسم الشديد والمصارحة، وهو ما سبّب له أزمة مع الرئيس أنور السادات خلال مفاوضات «كامب ديفيد»، بحسب ما روى وزير الخارجية الراحل محمد إبراهيم كامل في مذكراته «السلام الضائع في كامب ديفيد». وقتها كان يشغل العربي منصب مدير الشؤون القانونية في وزارة الخارجية، واشتكى الوفد الإسرائيلي من تعنّت الدبلوماسي الشاب، وحدثت مواجهة شهيرة بين العربي والسادات. صارح الدبلوماسي السادات بتحفظاته على الاتفاقية، فاتهمه بأنه دبلوماسي ليس له في السياسة، وأنه يرى الشجرة بينما يدرك السادات الغابة. أثبتت الأيام أن العربي كان يدرك الغابة. فملاحظاته على الاتفاقية كانت تتركز على أن إسرائيل تريد أن تستولي على القدس لتتخذها عاصمة أبدية للدولة العبرية، وأن عودة سيناء بناءً على كامب ديفيد هي عودة منقوصة.
تقلّد العربي عدة مهمات دبلوماسية مثّلت إلى حدّ بعيد توجهاته السياسية، أهمها الفترة التي ترأس فيها وفد مصر في التفاوض لإنهاء النزاع بين مصر وإسرائيل على طابا في الفترة من 1985 حتى 1989. وخلال الفترة من 1987 حتى 1991، عمل ممثلاً دائماً لمصر لدى الأمم المتحدة في جنيف، ثم ممثلاً لمصر لدى المنظمة نفسها في نيويورك حتى عام 1999.
ينتظر الأمين العام الجديد لجامعة الدول عدة ملفات آنية، مطالب ببحثها واتخاذ خطوات عاجلة بشأنها، أوّلها بحث موقف الجامعة من الاحتجاجات السورية، وهو ملف شائك قد يمثّل اختباراً صعباً ويحدد أي الطرق سينتهجها الأمين العام الجديد في إدارة مثل هذه النوعية من الملفات. وفي الإطار نفسه لدى العربي مهمة طارئة في ليبيا التي دخلت فيها المعارك مرحلة حرجة وسط تدخل خارجي.
وعلى الجانب الآخر من البحر الأحمر، تظهر أزمة الىمن وعناد الرئيس علي عبد الله صالح، وفشل كل محاولات إقناعه بترك السلطة حقناً لدماء شعبه، وهو ما يعني أن الأمين العام مطالب بخريطة طريق تنهي الصراع بين النظام الىمني والمعارضة، فضلاً عن الأزمة المالىة التي تمرّ بها الجامعة، نظراً إلى تأخر عدد كبير من الدول في دفع حصتها السنوية المقررة.
يبدو أن الأمين العام منذور للمهمات الصعبة، فقد تولى حقيبة الخارجية في توقيت بالغ الحساسية، وها هو يجلس على كرسي الأمين العام للجامعة المنوط بها لمّ الشمل العربي تحت راية واحدة ورأي واحد. فهل ينجح العربي في جعل الجامعة التي أضحت رمزاً للتندّر على الشتات العربي في إنجاز هذه المهمات والاضطلاع بدور وأفق جديدين في ظل أجواء الانتفاضات العريبة؟ أم سيكون مجرد اسم يضاف إلى سجل من تولّوا هذا المنصب ولا يذكره التاريخ بشيء؟ شخصية العربي وتاريخه يقولان إنه لن يرضى إلا بالنجاح في مهمته.
يغادر العربي الخارجية المصرية، ويبدو أن أقوى الشخصيات المرشحة لخلافته هي السفير المصري السابق في واشنطن نبيل فهمي.