القاهرة | لا تزال أصداء ما جرى أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، مساء أول من أمس، من اعتداء قوات من الشرطة والجيش المصريين على المتظاهرين، تلقي بظلالها على السجال السياسي في البلاد؛ فقد اتهم النشطاء وعدد من منظمات حقوق الإنسان، الأمن المصري باستخدام العنف أثناء تفريق التظاهرة التي طالبت بإنزال العلم الإسرائيلي عن سفارة الدولة العبرية، على وقع وصول عدد المصابين في الاعتداء إلى 353 مصاباً، مع معالجة إصابات 308 أشخاص، على حد ما كشفته وزارة الصحة. وقالت الوزارة إن الإصابات تنوعت ما بين اختناقات نتيجة الغاز المسيل للدموع، والكدمات والجروح البسيطة التي نتجت من حالة التدافع، وهو ما اعترض عليه النشطاء على موقع «فايسبوك»، مؤكدين أنّ الإصابات جاءت نتيجة اعتداءات مباشرة من الأمن على المتظاهرين، مع نفيهم ما تردّد عن نية المتظاهرين اقتحام السفارة. من جهة ثانية، ألقت قوات الجيش القبض على 186 شخصاً ممن شاركوا في ذكرى النكبة، وأُحيلوا على النيابة العسكرية للتحقيق معهم بتهم أساسية، هي إتلاف المال العام والتعدي على موظفين عموميين أثناء تأدية وظيفتهم. يُذكَر أنّ هذه التظاهرة نُظمَت بعد ساعات من محادثات أجراها المسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية، عاموس جلعاد، يوم الأحد في القاهرة، في أول زيارة معلنة لمسؤول إسرائيلي للقاهرة منذ سقوط نظام حسني مبارك في 11 شباط الماضي.
وقال مصدر في المجلس العسكري الحاكم إن «هناك تهماً أخرى ستوجَّه إلى بعض الأشخاص، مثل القيام بأعمال الشغب والبلطجة في الشارع». وكانت قوات الأمن المركزي قد أطلقت العشرات من قنابل الدخان لتفريق مئات المتظاهرين المطالبين بطرد السفير الإسرائيلي، وقطع العلاقات مع دولة الاحتلال وفتح معبر رفح. وعلى صعيد ما يحدث أمام مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو»، واستمرار اعتصام الأقباط هناك، تراجع البابا شنودة الثالث عن بيانه الذي طالب فيه الأقباط المعتصمين بفضّ اعتصامهم، قائلاً: «عمري ما أضغط على ولادي في حاجة»، وهو الموقف الذي فسّره البعض بموافقة البابا على استمرار الأزمة، وتعليق حلّها كما يطالب المعتصمون.
وسبق أن قال البابا شنودة، في بيان ألقاه نيابةً عنه أمين سرّه العام يوم الأحد: «يا أبناءنا المعتصمين أمام ماسبيرو، إنّ الأمر قد تجاوز التعبير عن الرأي، وقد اندسّ بينكم من له أسلوب غير أسلوبكم، وأصبح هناك شجار وضرب نار، وكل هذا يسيء إلى سمعة مصر وسمعتكم أيضاً. لذلك، يجب فض هذا الاعتصام فوراً».
بدوره، أمر رئيس جهاز الكسب غير المشروع، المستشار عاصم الجوهري، بإخلاء سبيل رئيس مجلس الشعب السابق فتحي سرور، بكفالة مالية قيمتها 100 ألف جنيه، ما لم يكن مطلوباً على ذمة قضايا أخرى. وخلال التحقيق، قدم فتحي سرور مستندات جديدة تفيد بعدم صحة ما ورد في تحريات الأجهزة الرقابية، وتنفي عنه تهمة الكسب غير المشروع والتربُّح، فارتأت هيئة التحقيق عدم وجود مبررات للحبس الاحتياطي، وقررت إخلاء سبيله بضمان مالي. لكنّ فتحي سرور سيعود إلى السجن مجدداً بسبب قرار حبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق في «موقعة الجمل»، أي الاعتداء الذي نظمه أركان من نظام حسني مبارك على المتظاهرين المصريين في ميدان التحرير خلال «ثورة النيل».
إلى ذلك، حذّر المجلس العسكري من أن الاحتياطي النقدي لديه سينفد خلال 6 أشهر إذا استمر الوضع الأمني والوضع في الشارع كما هو عليه الآن، من اعتصامات وإضرابات في مواقع الإنتاج الرئيسية في العاصمة والمدن الكبرى في البلاد. وأكد المجلس أن الديون المصرية الداخلية والخارجية وصلت إلى ما نسبته 90 في المئة من إجمالى الناتج القومي، مطالباً بضرورة العودة إلى العمل، وزيادة الإنتاج والتعامل بإيجابية مع المرحلة الحالية، والمشاركة الفعالة التي تسهم في النهوض بالاقتصاد المصري. موقف جاء خلال حديث أعضاء المجلس العسكري في الندوة الحوارية التي عقدت تحت عنوان «ثورة 25 يناير ـــــ آفاق النمو الاقتصادي» في دار هيئة الشؤون المالية.
على صعيد آخر، سارع الأمين العام السابق للجامعة العربية، عمرو موسى، بعد ساعات فقط من انتخاب خليفة له، إلى إطلاق المواقف التي قد تأتي له بالأصوات الضرورية لتحقيق حلمه الرئاسي في مصر. وقال موسى، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس»، إنّ على بلاده أن تأخذ مسافة إضافية من إسرائيل، وأن تحدّ من اصطفافها مع الولايات المتحدة. وأشار موسى إلى أن الموقع الإقليمي لمصر تراجع في أثناء حكم مبارك، جازماً بأنّ «العلاقة بين الأميركيين ومصر يجب أن تستمر علاقة قوية وعلاقة صريحة وعلاقة محترمة، لكن لا علاقة تبعية».
وتابع قائلاً إنّ «هذه السياسة التي شهدناها لم تكن مؤيَّدة شعبياً»، مطمئناً إلى أنّ «أي سياسة تسير عكس المزاج الشعبي والرأي العام، هي سياسة خاطئة، وخصوصاً عندما نتكلم في شؤون حسّاسة مثل فلسطين»، مورداً مثالاً على ذلك؛ إذ إنه «لا يجوز أن يكون الشعب مع حصار غزة، وأن تبقى السياسة مع الحصار». لكن موسى عاد ليجزم بأنه لن يمسّ باتفاقية «كامب دايفيد» إن انتُخب رئيساً لمصر.