صنعاء | غادر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد اللطيف الزياني، أمس، صنعاء، مبدداً التفاؤل الذي أثاره الإعلان المفاجئ عن موافقة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح على المبادرة الخليجية. فبينما كانت شوارع العاصمة تبدو خالية نسبياً من المارّة ومن حركة المركبات، في انعكاس واضح لدعاوى العصيان المدني، الذي بدأ في العاصمة منذ الأسبوع الماضي واستطاع أن يحقق نسبة نجاح معقولة قياساً إلى حداثة تجربة العصيان المدني بالنسبة إلى سكان صنعاء
، كانت الأجواء في داخل القصر الرئاسي على عكس حالة البطء المسيطرة على خارجه، وتمثلت في حركة دائمة من أجل وضع احتمالات ممكنة لحل أي عراقيل جديدة قد تأتي من هذا الطرف أو ذاك، تمهيداً للتوقيع على المبادرة الخليجية التي ارتفعت حظوظ التوقيع عليها خلال ساعات النهار، قبل أن تتبدد مع حلول الظلام ومغادرة الزياني.
وبدا واضحاً أن الجميع، سلطة ومعارضة، اتفقوا على أن يكون نقاش المبادرة الخليجية بصيغتها النهائية، القابلة للتوقيع، بعيداً عن أي مؤثرات خارجية، وخصوصاً تلك الآتية من ساحات التغيير، ولا سيما بعدما جاء خبر الاتفاق عليها مفاجئاً لمتابعين كثر اعتقدوا حتى وقت متأخر من ليلة أول من أمس أن المبادرة قد وصلت إلى طريق مسدود.
مهمة الزياني شملت جسّ النبض الأخير لمعتصمي الساحات عبر لقاء جمعه مع مجموعة من شباب الثورة في منزل السفير الإماراتي في صنعاء، وأخبرهم بأن هذه الزيارة لليمن ستكون الأخيرة له، وأن المجلس سيتخذ خطوات حاسمة تجاه صالح، إذا رفض تحديد موقف نهائي من المبادرة. وجاء هذا اللقاء بشباب الثورة في ظل معرفة الزياني الكاملة بموقفهم النهائي من هذه المبادرة، أو أي مبادرة أخرى لا تنص على التنحّي الفوري لعلي عبد الله صالح، وعدم منحه أي ضمانات.
في المقلب الآخر، كان منزل رئيس اللجنة التحضيرية للحوار الوطني محمد سالم باسندوة هذه المرة مسرحاً لمفاوضات ماراثونية، من أجل إزاحة أي عقبات قد تقف أمام توقيع الاتفاق على المبادرة، وذلك بعد جلسات تشاورية منفردة لكل من عبد الكريم الأرياني، المستشار السياسي للرئيس علي عبد الله صالح، وعبد الوهاب الأنسي، الأمين العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح من جهة، بعد رفض الرئيس الدوري لأحزاب اللقاء المشترك ياسين سعيد نعمان حضور اللقاءات، ومن جهة أخرى عبد اللطيف الزياني والسفير الأميركي جيرالد فايرستاين الذي حضر اللقاء وهو يحمل في جيبه موافقة الرئيس علي عبد الله صالح على التوقيع على الاتفاقية بنصها الذي يقول بصفته رئيساً للجمهورية اليمنية ولحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، إضافة إلى إنهاء الجدل بشأن تسمية المبادرة، وذلك بعد موافقة حزب المؤتمر الشعبي على ضم اسم الحكومة ليأتي على صيغة «اتفاق حكومة المؤتمر الشعبي العام»، وذلك بعدما كان اللقاء المشترك قد أصرّ على أن يكون الاتفاق بين حكومة الجمهورية اليمنية وأحزاب المعارضة، ليحمل في نهاية الأمر صيغة «اتفاق»، من غير أي إضافات قد تخلق إشكالية جديدة.
ويبدو من الواضح أن هذا الاتفاق في صيغته النهائية، والذي جاء إثر نشاط الساعات الأخيرة من ليلة أول من أمس، بفضل مجهود قام به السفير الأميركي في صنعاء والأمين العام لمجلس دول التعاون الخليجي، لم يطّلع عليه عدد كبير من أعضاء أحزاب اللقاء المشترك، وهو ما يمكن اعتباره قنبلة موقوتة يمكنها الانفجار في أي وقت لاحق لما بعد التوقيع، على اعتبار أن الاتفاق قد دُبّر في ليل، ومن دون علم جميع الأعضاء.
وتبقى العقبة الكبرى في مدى تجاوز إصرار الرئيس صالح على اسم ياسين سعيد نعمان، ليكون على رأس فريق المعارضة، فيما لا يزال إصرار نعمان مستمراً على وجود اسم محمد سالم باسندوة على رأس فريق المعارضة باعتباره رئيساً للجنة التحضيرية للحوار الوطني، التي تضم في كيانها كافة أحزاب المعارضة اليمنية، بما فيها تكتل أحزاب اللقاء المشترك، وبحسب ياسين قوله إن الأولوية المنطقية تكون لمحمد سالم باسندوة كي يكون على رأس فريق المعارضة وممثلاً له في التوقيع باسمها.
لكن يبدو من إصرار الرئيس صالح على اسم ياسين سعيد نعمان ممثلاً لأحزاب المعارضة في التوقيع، إنما يأتي لأكثر من دافع، لعل أبرزها اعتبار صالح أن اللجنة التحضيرية للحوار الوطني التي يترأسها باسندوة إنما هي قناع للخصم اللدود حميد الأحمر الذي رعا ولادة تحضيرية للحوار الوطني، وعُدّ أباً روحياً له.
أما عن آلية تنفيذ المبادرة التي كان الرئيس صالح أبرز معرقليها قبل الاتفاق الأخير، فقد اتُّفق على «عدم تعميد الاتفاق إلا بعد الاتفاق على آلية تنفيذ تجري صياغتها من قبل لجنة يؤلفها الاتحاد الأوروبي والسفير الأميركي». وبحسب مصدر مطّلع، ستبدأ هذه اللجنة عملها خلال ثلاثة أيام، على أن تحسب مدة الثلاثين يوماً لإعلان الرئيس استقالته من بعدها.
لكن اللافت تلقّي هذه المبادرة لرفض جاء على نطاق واسع، جمع بين جماعة الحوثي ممثّلة بـ«شباب الصمود» في ساحة التغيير في صنعاء، وكذلك من قطاع عريض من «الحراك الجنوبي»، وكذلك من قبل شباب الساحات في عموم محافظات الجمهورية اليمنية، وعلى وجه الخصوص في ساحة الحرية في مدينة تعز، حيث رفع الشباب لافتات كُتب عليها «ارحل يا مشترك»، وكذلك في «ساحة التغيير» في صنعاء حيث كرر الشباب رفضهم للمبادرة الخليجية التي عدّوها بمثابة طوق النجاة بالنسبة إلى الرئيس صالح وأقاربه، وذلك بضمان عدم ملاحقتهم قضائياً على الجرائم التي ارتُكبت في حق الشباب المعتصمين منذ نحو ما يزيد على ثلاثة أشهر.
وشكّك الشاب أحمد ناصر، من كتلة المستقلين في «ساحة التغيير»، أولاً في إمكان ضمان تنفيذ صالح لهذه الاتفاقية، وخصوصاً أنه معروف بنكثه لأكثر من اتفاقية. وقال «لا أعلم كيف تعطي أحزاب اللقاء المشترك لنفسها الحق في التفاوض باسمنا، والتحدث نيابة عنّا، على الرغم من أنها وكوادرها كانوا تابعين لنا في النزول إلى الساحات والاعتصام فيها، ولم يفعلوا ذلك إلا بعدما تشكلت الثورة، وصارت كياناً قادراً على الوقوف في وجه صالح وعصابته». وتابع قائلاً «كيف يتجرّأون على التفاوض بدماء الشهداء».
أما الناشطة توكل كرمان، فانتقدت على موقع «فايسبوك» تجاوب أحزاب اللقاء المشترك مع المبادرة، قائلةً «بعد الطعنة الغادرة التي وجّهتها أحزاب المشترك لمسيرة الأربعاء الماضي، ها هم يوجهون لنا ولثورتنا الفذّة طعنة أشد وأفعل بموافقتهم على التوقيع على المبادرة الخليجية مع النظام الفاسد، وهم الذين ظلوا يوهموننا طوال الفترة الماضية بأنهم مع الشباب ويتبنّون مطالب الشباب، ويقفون إلى جانب الشباب حتى انتصار الثورة، لكن تبيّن أن كل ذلك لم يكن إلا سعياً منهم إلى ركوب موجة الثورة وتوظيفها لخدمة مصالحهم الحزبية الضيقة، على حساب مطالبكم الوطنية النبيلة». وأضافت «يجب أن نضع حدّاً لرهاناتهم علينا لتحقيق مكاسبهم الحزبية التي لم يكونوا طوال وجودهم في الساحة السياسية يحلمون بتحقيق جزء ولو بسيط ممّا تحقق لهم منها اليوم بفضلنا نحن الشباب. يجب أن ننتزع منهم كل المكاسب التي يسعون إلى تحقيقها على حساب ثورتنا، من خلال نقل اعتصاماتنا إلى ساحات أخرى جديدة تكون بالفعل ساحات للتغيير والحرية، نواصل منها نضالنا من أجل إسقاط هذا النظام الفاسد، بعيداً عن أحزاب المشترك وكل المتآمرين الذين غدروا بثورة الشباب».
من جهته، استغرب مصدر حقوقي وقانوني، فضّل عدم ذكر اسمه، مسألة منح أحزاب المعارضة، وأحزاب اللقاء المشترك على وجه الخصوص، ضمانات للرئيس علي عبد الله صالح بعدم ملاحقته هو وأقاربه المتورطين في حوادث القتل التي جرت ضد الشباب المعتصمين. وقال «كيف تقرر هذه الأحزاب التفاوض على ما ليس لها ولا تملك حق التفاوض عليه»، والمقصود هنا حق أولياء الدم للضحايا الذين سقطوا في حوادث الاعتداء التي نفذتها قوات علي عبد الله صالح».
إلى ذلك، ناشد البيت الأبيض، أمس، الرئيس اليمني علي عبدالله صالح توقيع الاتفاق مع المعارضة. ونقل المستشار الأساسي للرئيس الأميركي باراك أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب، جون برينان، هذه الرسالة إلى صالح في أثناء مكالمة هاتفية، على ما أعلن بيان للرئاسة الأميركية. وتابع البيان إن برينان «حثّ صالح على توقيع وتطبيق الاتفاق الذي اقترحه مجلس التعاون الخليجي، كي يتمكن اليمن من المضي سريعاً نحو مرحلة انتقالية سياسية».



تظاهرات احتجاج

شهدت المدن اليمنية، أمس، المزيد من الاحتجاجات المطالبة بتنحّي علي عبد الله صالح. وخرج الآلاف من أبناء محافظة البيضاء، في مدينتي رداع والبيضاء، في مسيرتين حاشدتين للمطالبة بإنهاء حكم الرئيس علي عبد الله صالح، مردّدين هتافات تطالب بإسقاط النظام ورحيل «رموز الفساد».
كذلك حيّا المشاركون في التظاهرة، وفقاً لموقع «المصدر أون لاين»، موقف دولة قطر، ورفعوا العلم السوري تضامناً مع الشعب السوري. كذلك شارك سكان المدينة في العصيان المدني، ما أدى إلى شلّ الحركة التجارية في المدينة.
وفي مدينة رداع، خرجت تظاهرة حاشدة جابت الشوارع الرئيسية للمدينة، مطالبةً بتنحّي صالح ومحاكمته مع رموز نظامه على أعمال القمع والقتل. وعبّر بعض المشاركين في المسيرة عن رفضهم للمبادرة الخليجية التي أعطت صالح «غطاءً لقمع الشعب».