القاهرة | هل جينات التمرد تورث؟ يبدو السؤال متماهياً مع شخصية نوارة نجم، ابنة الشاعر الثوري أحمد فؤاد نجم والكاتبة صافيناز كاظم. الشابة صاحبة أشهر تعليق عقب تنحي الرئيس السابق في قناة «الجزيرة»: «بشكر تونس، بشكر الجزيرة، من النهار ده مفيش ظلم مفيش خوف»، وأعقبت ذلك بزغرودة طويلة. هذه الشابة لا تخفي تحيزها وحبها للجيش المصري. لكن لا يفوتها توجيه ضربات لا ترضي العسكر من خلال تعليقاتها على الفايسبوك وتويتر ومدونتها «جبهة التهييس الشعبية». تتحرك نوارة في حبها وتحيزها للمؤسسة العسكرية من أرضية أن اسمها جاء تيمناً بعبور الجيش المصري في حرب أكتوبر، وأن الجيش ظل بعيداً عن الحياة السياسية المصرية بخلاف الشرطة وجهاز أمن الدولة الذي طارد والدها كثيراً. وتعبر عن هذا صراحة في أحد تدويناتها «إحنا بصراحة بنحتقر أمن الدولة والأمن المركزي، لكن بنحب الجيش»، والأسباب كثيرة، تعذيب واعتقال عشوائي وملاحقات لا تنتهي للنشطاء، سواء كانوا سياسيين أو حقوقيين أو حتى مدونين.
عقب قيام الثورة، حاول المجلس العسكرى التواصل مع شباب الثورة والاندماج في فضائهم الإلكتروني، محاولاً الإجابة عن سؤال: كيف يفكر هؤلاء الشباب؟ واعتقد العسكر أن إنشاء صفحة على الفايسبوك كفيل بأن يكون مؤشراً على رضى هؤلاء الشباب وسخطهم على أداء المجلس. وبالتوازي، كانت هناك لقاءات شبه دورية مع الشباب من خلال التجمعات التي ظهرت تحت مسميات شتى مثل «شباب ائتلاف الثورة»، وخصوصاً مع نشوب أزمة. وكان هدف العسكر هو الحصول على تصريح من هؤلاء الشباب وشرعية شعبية تساعدهم في ضبط إيقاع الأحداث المتلاحقة، التي كان معظمها يهدد الثورة مثل أزمة «كنيسة صول» و«أزمة قنا» و«فتنة إمبابة».
وحدها، ومعها قليلون، شردت نوارة عن جموع التشكيلات واحتفظت بمساحة تسمح لها بالحركة بعيداً عن قيد الاجتماعات والرسميات التي تفرضها لقاءات المجلس العسكري بشباب الثورة، وهي اللقاءات التي كانت سبباً في توجيه كثير من الانتقاد للائتلاف وغيره. يقولون عني «نوارة عميلة الجيش المصري» تهمة لا تنفيها نوارة نجم عن نفسها، تقول أنا مش زعلانة من اللقب ده، أنا بحب الجيش»، لكن هذا الحب ليس بأعمى، له عيون ترى ما يفعله العسكر، وآذان تسمع شهادات من عذبوا على أيدي الشرطة العسكرية بعد القبض عليهم في ميدان التحرير عقب فض اعتصام 9 آذار.
تكتب نوارة ولا تخاف، والبعض يرى أنها تعتمد في كتابتها أولاً على كونها معروفة في أوساط المثقفين، كتب أحدهم على الفايسبوك «لو حد تاني كتب الكلام اللى بتكتبه بنت نجم على الجيش لكانوا نفخوه، نوارة محميّة بشهرتها»، وثانياً تعتمد على كونها أنثى وهو ما يعطيها حصانة ما تمنع عنها الأذى. «نصف الحقيقة كذب» مقولة تصلح مدخلاً لفهم طبيعة العلاقة ما بين نوارة والجيش، علاقة تتضح بقوة مع النقد الشديد الذي تكتبه تعليقاً على ما يقوم به العسكر من إجراءات يرونها إصلاحية، وتراها تؤخر أكثر مما تسهم فى تقدم الثورة.
منذ يومين حضرت نوارة جلسة ضمت أحد أعضاء المجلس العسكري وهو اللواء محمود نصر، مع مجموعة من الشخصيات العامة للحديث عن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، كان العضو واضحاً في ما يخص الأرقام المفزعة التي وصل إليها أداء الاقتصاد المصري، وكانت نوارة واضحة أكثر في نقد ما جعل الاقتصاد يصل الى هذه الدرجة. قالت بصراحة أمام اللواء الذي تملّقه عدد كبير من المتحدثين: «الحالة الاقتصادية عشان تتحسن لازم الناس تستعيد الثقة في المجلس العسكري»، واستعادة الثقة من وجهة نظر ابنة نجم تقتضي أن «نوفر فلوس الداخلية» التي تستنزف جزءاً ليس بالقليل من ميزانية الدولة وتتمثل في رواتب عشرات الآلاف من جنود الأمن المركزي، وقيادات الوزارة.
تتكلم الناشطة الشابة بعفوية شديدة ولا تضع حدوداً كما يفعل كل من يتعامل مع المجلس العسكرى تقريباً، تنطلق منها الكلمات بلا تجميل، مستندة في ذلك إلى أنها لا تنتمي إلى أي تنظيم أو فصيل سياسي، وهو ما يحررها من فكرة الكلام بلسان أحد طلباً لمكسب أو مصلحة ما. تحاول طوال الوقت أن تكون لسان شباب الكيبورد البعيدين عن وسائل الإعلام من جرائد وفضائيات: «أنا عايزة أوضح انتوا دايماً بتفهمونا غلط، ودايماً بتعتبرونا بنشتمكم، إحنا لو ما كانش لنا عشم في القوات المسلحة المصرية ما كناش هاجمنا ولا اتكلمنا، كنا عملنا زي ما عملنا مع الأمن المركزي».
لا يجرؤ أحد على أن يقول الجملة الأخيرة في وجه العسكر، قالتها نوارة في وجه اللواء لتذكره بما حدث مع الشرطة في يوم «جمعة الغضب». لم تكتف بذلك، بل سردت لرجل المجلس العسكرى طريقة عودة الثقة من خلال «لازم تبطلوا تضربونا»، و«يجب الإفراج عن كل المعتقلين»، وإعادة المحاكمات العسكرية، و«رفع كل القيود عن وسائل الإعلام»، وحتى تعود الشرطة للشارع وتستقر الأوضاع الأمنية التي وصلت الى حد مفزع «لازم يتحاكم ضباط الشرطة المتورطين في ضرب المتظاهرين». تتحدث ابنة الشاعر طريد أمن الدولة بلغة مختلفة مع العسكر، لغة الأمر، هي ترى أن الثورة قامت لكي تعيد ترتيب الأوضاع
المقلوبة في المجتمع، السيادة للشعب. والكلمة العليا للجماهير.
أثناء حديثها مع عضو المجلس العسكري، تأفف بعض الحضور من حدة نوارة وقسوة بعض كلماتها، وتحديداً عندما قالت له «لازم يتم اتخاذ موقف حاسم من الشرطة» هل يملك الجيش اتخاذ هذا الموقف؟ بالتأكيد. لكن رد اللواء كان غير متوقع، قال: «بس إحنا مش ثوار، إحنا جيش، يعني ما بنفهمش غير بضرب الرصاص». قالت له: «ليه كده يا سيادة اللواء، ده الجيش والشعب إيد واحدة». تلخص الجملة الأخيرة علاقة نوارة بالجيش ما زالت تؤمن بأن الجيش والشعب يد واحدة.