القاهرة ــ الأخبار ثمة مفارقة في الحديث المتواصل عن أهمية عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران، إذ إنّ كلا البلدين يريدان علناً العودة السريعة إلى نوع العلاقة المتينة التي كانت موجودة بينهما قبل عام 1979، تاريخ قيام الثورة الإسلامية. رغبة متبادلة تعزّزها حالة الغزل التي تخرج تارةً من طهران، وتارةً من القاهرة. لكن، دائماً هناك حلقة مفقودة ينتهي عندها الفعل، ليظلّ القول هو سيد الموقف.

فعقب قيام ثورة 25 كانون الثاني في مصر، خرجت الأصوات لتطالب بتحسين العلاقات الخارجية لمصر مع جيرانها، وفي مقدمة هؤلاء إيران، وجرت في نهر الأحداث مياه كثيرة من الإشادات التي جعلت وسائل الإعلام الإيرانية تؤكد أن طهران تنوي تعيين علي أكبر سيبويه سفيراً لها لدى القاهرة، في محاولة لإنهاء قطيعة دبلوماسية دامت ثلاثة عقود بين البلدين. إلا أنّ وزارة الخارجية الإيرانية خرجت لتقول إنّ «مسألة تعيين سفير في القاهرة لا تزال موضع بحث». حينها، ردّت الخارجية المصرية على هذه التصريحات بنفي أن تكون طهران قد أبلغتها أصلاً تعيين سفيراً لديها، حتى إنه «ليس هناك أي اتفاق على عودة العلاقات بين البلدين»، وهو ما أشاع جوّاً من الغموض بشأن العقبات التي تقف وراء عدم تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران. وهنا عاد السؤال نفسه ليطل من جديد: مَن المستفيد من تثبيت المشهد على هذه الصورة؟ وإذا كان مسؤولو البلدين لا يريدون عودة العلاقات، فلماذا التصريح بين حين وآخر بأنه ليس هناك ما يمنع فتح حوار بين الطرفين؟ سؤال مرفق بآخر: لماذا التلميح المستمر إلى أنّ من مصلحة أكبر قوتين في الشرق الأوسط أن يتّحدا في مواجهة الرهانات الدولية، في مقدمتها الهيمنة الأميركية على المنطقة ومواجهة الكيان الصهيوني؟
المطالبون بسرعة عودة العلاقات يرون أن المصلحة تقتضي مدّ جسور التفاهم بين العاصمتين، وإزالة آثار الاحتقان التي خلّفتها في البداية الثورة الإسلامية. ويقف على رأس هذا الفريق معظم القوى السياسية المصرية تقريباً، باستثناء جماعة «الإخوان المسلمين» والسلفيين والجماعات الإسلامية المتشددة، الذين يرون أن التقارب والعودة إلى الدفء مع إيران معناه فتح الباب أمام «المد الشيعي» في مصر، وهو ما يهدّد، من وجهه نظرهم، المذهب السنّي. لكن الأهم أنّ هذا التقارب يحدّ من تأثير الفكر الوهّابي السعودي الذي تعتنقه كل التيارات الإسلامية في مصر. ويجاهد هذا التيار في رسم صورة مخيفة عن «إيران الشيعية»، ولا يخلو مؤتمر أو ندوة للجماعة السلفية، إلا تنال طهران قسطاً كبيراً من الهجوم عليها. ومثال ذلك أن المتحدث الرسمي باسم الجماعة السلفية في مصر، عبد المنعم الشحات، يهاجم باستمرار إيران في حواراته الصحافية ولقاءاته التلفزيونية، محذراً من خطورة عودة العلاقات بين البلدين، لأنّ طهران «تواجه أهل السنّة بأشد أنواع البطش والتنكيل»، و«تمارس، كدولة دينية، تمييزاً وعنصرية ضد أهل السنّة». وتجد هذه التصريحات آذاناً صاغية داخل شريحة ليست قليلة من المصريين، ويمثّل عدم تحرك الحكومة في اتجاه دحض هذه الاتهامات، من خلال إقامة علاقات متكافئة بين العاصمتين، لغزاً آخر يُضاف إلى مجموعة الألغاز التي تقف عقبة في طريق التطبيع بين البلدين.
الدعوة إلى عودة العلاقات بين القطبين الإقليميين، مصر وإيران، لم تعد مطروحة مثلما كانت عقب نجاح الثورة المصرية في 11 شباط الماضي، والسبب في ذلك أنّ الدولة، ممثلة في الحكومة والمجلس العسكري، لا تريد الدخول في مواجهات مباشرة مع التيارات الإسلامية المتشددة التي تقود فصيل عدم عودة العلاقات مع إيران. كذلك فإن الجيش يحاول الحفاظ على العلاقات المصرية ــــ الأميركية، نظراً إلى حاجة الاقتصاد المصري إلى دعم الإدارة الأميركية في المرحلة المقبلة، من خلال القروض والمنح الأميركية، وكل ذلك مهدَّد في حال عودة الحرارة إلى العلاقة ما بين القاهرة وطهران، والأمر نفسه ينطبق على دول الخليج غير المسرورة بتاتاً باحتمال عودة الدفء إلى العلاقات الإيرانية ــــ المصرية.
لهذه الأسباب، يستخدم الفريق المصري غير المتحمِّس لعودة العلاقة المتينة مع الجمهورية الإسلامية ورقة التخويف من أن التقارب سيعني بُعداً وجفاءً من دول الخليج لمصر، ودليلهم على ذلك ما حدث خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء عصام شرف إلى الخليج، عندما رفضت الإمارات استقبال شرف في ظل تصريحات وزير الخارجية نبيل العربي عن قرب عودة العلاقات المصرية ــــ الإيرانية، رغم تأكيد رئيس الوزراء أن أمن الخليج «خط أحمر» بالنسبة إلى القاهرة. وفات معارضو «التطبيع» بين مصر وإيران أنّ معظم دول الخليج تقيم علاقات دبلوماسية وتجارية مع طهران، وأنه لا تعارُض بين علاقات قوية مع إيران، وأخرى قوية أيضاً مع السعودية وباقي دول الخليج، وأن التقارب لا يعني على الإطلاق التطابق في وجهات النظر والسياسات.
السعودية تقود فريق بقاء العلاقات المصرية ــــ الإيرانية في مربع الصفر، وتسعى من خلال علاقتها بواشنطن إلى تثبيت الأوضاع في المنطقة، بما يخدم السياسات الأميركية والإسرائيلية. فهل تستسلم القاهرة وطهران لهذه الحال، أم تتحرك العاصمتان في طريق تطبيع العلاقات، وقطع الطريق على التيارات التي تقود فريق «الممانعة»؟